الثلاثاء، 8 مايو 2012

الامام علي ..اطروحة الغيب بين الشرق والغرب / الحلقة الثالثة

الامام علي ..اطروحة الغيب بين الشرق والغرب / الحلقة الثالثة
 


اثير الخاقاني

عندما يمرّ العظماء على مجتمعاتهم فإنهم يقعون مأساةً بين قيود الجغرافيا والتاريخ ظروف الزمان  والمكان المحددة لعقول أقوامهم ، ومن ابرز هولاء العظماء السابقين لأزمانهم وأجيالهم علي بن أبي طالب . ان النظر الى علي على انه من خط الصحابة تجني على هذا الرعيل من الأخيار وظلم فادح لعلي ، والسبب يكمن في اختلاف جميع من حول النبي علما وأدبا وشجاعة عن علي اختلاف حضارة وتاريخ ، وعلى هذا لمن بسط المساواة بينهم وعلي ان يستفهم لماذا بقى الكثير من الصحابة بوعي سطحي وبسلوكيات بدائية مع نقاء إخلاصهم للإسلام في حين كان علي مطمح لأرقى الأمم، وهو المنظر الذي يصحح لها المسارات في مختلف الميادين وفق مبادئ الإسلام ، أليس هذا الاختلاف من طبيعة التكوين أولا ، ومن قابلية كسب غير طبيعية  اعني ان يقتات شخص على الخبز اليابس (خبز الشعير ) مع الملح الخشن ثم يتحول الى معركة حامية يتحرك فيها من أخمص القدم الى أعلى هامته مرورا بمشاعره وقوة قلبه وتفكيره وانتهاء الى هزِّ باب خيبر الموصوف بأنه كان يحركه "أربع وأربعون" رجلا ..اذن لننظر الى علي على انه ظاهرة سماوية شبيه بالقران ونطبق المفاهيم الإسلامية لنرى هل  نجد من آثار جانبية قد تشكك بهذا الاتجاه - باتجاه كون علي ظاهرة سماوية - اعتقد والباب مفتوح للبحث ان عليا فرض هذا الأمر في مواقف  عديدة لازالت حتى هذه الساعة مجالا للوعظ لم تخرج منه الى البحث العلمي - أقولها وبأسف - لقد طرح علي ولأول مرة بعد رحيل رسول الله (ص) وانغلق الباب عليها بعد رحيله والى يومنا هذا ! لقد قال عبارة مهمة هي " سلوني قبل أن تفقدوني " وهناك كلمة تابعة لها تفسرها مفادها ان من حقكم أيها المسلمون أن تسألوني في أي علم وأي فن وأي غامض في دينكم ودنياكم وهذا قمة ما يمكن أن يصل إليه المتحدي !! أليس غريبا ان ينطق بهذا علي بن أبي طالب  بخلاف سار الصحابة وقريش والعرب حاضنة الإسلام !! لو كان علي في قولته هذه صاحب مجاز او لتعليق قلب الآخرين به لافتضح عند العرب فقد روي أنهم سألوه في شتى المسائل بعضها كان من محيرات عقول أهل الكتاب والبعض الآخر كان في مبهمات الكتاب - القران الكريم - والمتبقي في مسال تافه وأخرى تعجيزية بعد أن بلغ الإعياء عند أعدائه مبلغه وأيقنوا بالعجز حاربوه بالسيف وهذا دليل على قصور الدليل عندهم وخذلان البرهان .
ومن المواقف الدالة على اختصاصه واجتبائه من السماء انه جمع النقائض ولم يسمع عن غيره هذا ، فهو البكاء في المحراب ليلا وهو الضحاك ان جدَ الضراب ، وقد يفسره علماء الاجتماع بازدواج الشخصية وهذا صحيح لو كانت كل شخصية تحمل استقلالا ، فيكون يضحك بغير انتماء الى عقله الغاضب ويغضب في انفصال عن واقعه الضاحك ، ولكن الفاصلة دقيقة بين الثرى والثريا في عالم الألفاظ  إلاّ إنها في غاية البعد بل ، والأبدية في عالم الواقع  ، وعلي كان شجاع وضعيف لنفس السبب السبب الذي أجاب عنه في محراب الشهادة بقوله فزت ورب الكعبة فعندما تفلق هامته يفوز وعندما يفلق هامات الأبطال يراه تكليفا لا                                                                                                                                     بهجة فيه ولا فوز ، وهو يأكل أحروفا من شعير يابسة وملح ويفتك بالجيوش في المعارك ويحفر الآبار العميقة في حر الصيف  ويمضي بين الاسواق والمحتاجين ليل نهار لذات العلة لمرضاة الله تعالى . تمتع علي بن ابي طالب بشخصية سهلة ممتنعة كان بسيط الحال لا حاجب يحجب عنه الناس ولا حرس يجلجلوا قلوب الناس هيبة له بل كان يلبس الرداء البالي المرقع ، ويتخذ من سعف النخيل المخصوف نعلا  بهذه البساطة كان الكل يتهيب سؤاله ولقاءه من أعداء وأحباء .
مارس علي بن أبي طالب السياسة بطريقة معقدة للغاية ، فهو سياسي أخلاقي لا يفصل بين الاثنين مطلقا ، ولذا كان في ذات الوقت الذي يعطي العامل الفقير عطاءه يعطي أعظم شاعر او راوية عطاءه دون تمييز على أساس العلاقة او العنوان وكون هذه أسلحة قوية بيده ضد الحكم المنشق عليه في الشام ، كما انه كان بوسعه أن يميل باتجاه إعمال القواعد الفقهية من دفع المفاسد على أساس الأولويات وتحكيم المقاصد ومن حقه حينئذ ان يحارب معاوية بالمال وبالذمم  لكنه كان واعيا الى خطورة مرحلته آنذاك ، فهي مرحلة تأسيس وتقعيد ، وعليها ستبني الأجيال القادمة منازلها الفقهية والأخلاقية  والسياسية والاقتصادية لذا حرص علي بن ابي طالب على أن يأخذ من السياسة أطهرها ومن الأخلاق أثبتها ليؤسس عليها نظرية الاشرف  فالاشرف في حين أسس معاوية للعرب والمسلمين قاعدة سار عليها العديد من ساسة العالم والعرب خصوصا هي سياسة محاربة القوي بالضعاف حتى يخجل القوي ويرق لهم ومبارزة الناسك بالدعارة ومغازلة السياسي بالاغراء ومناجزة الشهامة بالغدر ولعل مهندس سياسة آل أبي سفيان عمرو بن العاص كان ذكيا في الدفاع عن العرش الأموي حينما أعلن أن الحرب تستجلب كل وسائلها ، ولا مكان للورع فيها ، فاخذ بمشورته معاوية وأعلن عن أول انتكاسة في الإسلام وهي تسييس الرموز فرفع القران على الرماح كوسيلة سياسية لكسب الوقت في المعركة التي أوشكت سرايا علي على حسمها مع معاوية فخرجت من هذه الفكرة الأموية أصول الميكيافلية الرائجة في الزمن الحاضر والحاكمة في إرجاء العالم  تتحرك من غاياتها المبررة لأقذر الوسائل الى مصالحها الناهبة لخيرات الشعوب .. تضلع علي بتأسيس معظم العلوم العقلية والشرعية والطبيعية فهو المؤسس بحق لعلم النحو البلاغة والرياضيات بما استفيد من كلامه فقد خرج الطوسي الرياضي والفلكي بأسس رياضية كان أصلها من نبع علوي وهكذا الفقه والأحكام الشرعية فقد أسسها على القران وبين غوامضها حتى أحصي على خليفة وقته عمر بن الخطاب مئات المرات قوله "وما معضلة الا وحلها ابو الحسن علي"  وله القدم المعلى في تفسير القران وبيان أحكامه وله الأثر الواضح في استجلاء التاريخ القديم وعلم الأديان ومقدماته في علم الفيزياء شاخصة فقد وضح بعض الظواهر الطبيعية التي كانت خافية في حينه كقوله ان من الماء نورا في اشارة الى الكهرباء وغيرها وهو الكيمائي الذي الهم حفيده جعفر الصادق الذي خرّج مدرسة في هذا الشأن أبرزها جابر بن حيان روائع النصائح والافكار في مزج الأخلاط والتراكيب والمحاليل وغيرها ، وفي الماورائيات فغير علي لايعدو ان يكون الرسول والقران فقط اذ قد تميز بمدىً مهول في هذا الطريق ويروى عنه ما سُطر في نهج البلاغة من انه أول من اثبت حسّيا وجود البرزخ وإمكان التحاور معهم حينما عكف في ظهر الكوفة لساعات ، وهو يتحدث أمام جبانتها - وادي السلام - وهو القائل "الناس نيام فأذا ماتوا انتبهوا " فأولد علما وفلكا عظيما من الحركة عرف فيما بعد بالعرفان وتجاوز الحد منه في بعض الأحيان ما سمي بالتصوف  وأكابرهم يدين بالولاء والطاعة لكنوز علي بن ابي طالب، فعبّروا عنه بمولى العارفين وسيد الموحدين ، وهل فارق علي شفاه الشعراء او قلم الكتاب او بال المفكرين إلاّ وغمرهم بحبه والإعجاب به وهو مفارق لمذاهبهم ومزايل لأفكارهم ومترفع عن مخالطتهم ، وما اصدق من قال إن استغنائه عن الكل واحتياج الكل إليه دليل على عظمته ومنزلته عند الله سبحانه ..
إن المشكلة الجوهرية التي نواجهها اليوم  هي التصورات الخاطئة للمذاهب الإسلامية التي تعدّ علي بن ابي طالب أرثا شيعيا لهم الحق في تركه والتنفر عنه ، وهذا يعبر عن قصور في الفكر والعقل الجمعي لهذه المذاهب ، فهي لم تميز بين الأتباع والرمز ، فالشيعة أتباع علي وليس بالضرورة أن يكونوا على منزلة وافية من علم علي وأخلاقه والتوافر على  جواهر موروثاته ، ولكن يسجل للشيعة إتباعهم لعلي في أفراحه وأحزانه وإحياء ذكره وأمره وهذا اكسبهم على طول الوقت التشبع بأفكاره ومزاياه .. إنها دعوة الى أن نعتبر من شخصية الإمام علي نموذجا إنسانيا للاستفادة العلمية والفكرية على أقصى الحدود ، ونوطأ له مكانة كمكانة الهواء الذي من السذاجة ترك استنشاقه لانه في بيت فلان ودولته ، والاعتزال عن نهج علي لايقبل التفاوض في نتائجه الوخيمة على الفرد والجماعة المعتزلة لأنه المصدر الوحيد للعقل الإسلامي ، كما جعل الرسول المعبر الأوحد عن الوحي في هذه الدنيا ، فمن اعرض عن الرسول باء بالتيه عن مصدر التشريع في الإسلام وهنا تكمن خطورة موقعية علي في توزيع الأدوار من ناحية العالم الإسلامي البعيد عن نهج علي في خسارته العقل الإسلامي أصلا ولايفهم تشريع بلا عقل  .. فمن الثابت أن بلال بن رباح كان مؤذن النبي وهذا اختصاص وعثمان جامع القران وهكذا نلحظ التخصص في الإسلام  والتخصص على قدر الهمة وهمة علي كانت حرة منفتحة على نافذة الإعجاز الإلهي ، فكان ولازال يعد هو الحقيقة الضائعة والحلقة المفقودة والكنز المضمر الذي يأتي البحث عنه وسيلة للنجاح  ومثال علي  موجود في كل الأديان والحضارات والتاريخ يحفل بالعديد من شواهد قريبة من أمر علي بن ابي طالب في هذه الأمة  .. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م