الإعلام العربي ..تطلعات حكومية / الحلقة 2
تحدثنا
في الحلقة الاولى عن نشأة الاعلام العربي وكيف انه جنح نحو التمويل
الحكومي المشروط ومانتج عنه من استدارة كاملة في توجهاته و انحسار المهنية ،
اما هذه الحلقة فنسلط الضوء على حركة الاعلام العربي وما نتج عنها من
تاثيرات على ثقافة الفرد العربي ونضجه الفكري وماهي نتائجه التي من الممكن
حسابها كجردة حساب لربع قرن من الزمن مثلا ، لقد اتخذ الاعلام العربي
السينمائي في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم حركة ماجنة الى
اقصى الحدود وأسلوبا مبتذلا في كل المقاييس العقلائية للعمل الفني والذي
كان يومئذ شكلا أساسيا للإعلام قبل ان تتوسع وسائله الى مانشهده اليوم ،
فلم يكن غريبا مشاهد التعري والاباحية والتقليد الحرفي للانحراف الغربي ،
ولذلك كان مقص القريب يبتر الافلام حتى تبدو الفيلم في نهايته مقطعا من ذلك
الفيلم وكان بوسع هذه الرقابة الورعة ان تطلع دقيقة واحدة الى اقرب مكان
يجري فيه مشاهد الفيلم في مراحله الاولية ليرى ان المسالة كبيرة وان مقص
المخرج والمنتج قد اباد مقصه بالحقيقة ..فهي تصدر الى البيوت بمدتها
الكاملة والى دور السينما فلم يبق الا التلفاز الذي كان في ذلك الوقت لسرد
الخطابات والحروب والاخبار واغلب جمهوره من العجزة والمعقدين بحسب نظرة
العرف لهم !! لقد حاكى المخرج المصري الواقع الهندي في قصته الماساوية
وطابعه الخيالي و استورد لهذه القصة الهندية غواية هوليود ليجعل المشاهد
العربي يبكي وينحرف ويتامل ويرقص ...!!!
وكما هو معلوم عن
السينما والمسرح والبث الاذاعي المصري صدارته على مستوى الشرق الاوسط وهو
الاقوى استيلاءً على الوطن العربي والاسلامي ،لذلك غاص الشباب العربي في
حلم مصري ومخدر فرعوني سحق فيه عمره وجهده بل تلاشى نتيجة لهذا العرض
المدمج جيلان من أقوى الأجيال على مدى عشرين عاما ( 70 19 _1990) من القرن
الماضي ،اما جيل الستينيات من القرن العشرين فقد اكله الحزب الشيوعي
ونظريات ماركس وسارتر وآراء لينين وفرويد وقصص الحروب والنكبات وكذلك العصف
الاباحي للمدَّ الاحمر الشيوعي والذي لا أبالغ في وصفه انه من اشد العواصف
الفكرية تاثيرا في الفرد العربي وبالذات على الهوية الإسلامية منذ قرون ،
فقد كان شعار هذا الحزب لكوادره " كن خطيبا في كل محفل" ولايخفى عمق هذا
الشعار وتغلغله في الواقع واختراقه لبنية الثقافة والمعتقد واستغلاله لهما
في خدمة الاجندة السوفيتية أيام إمبراطوريتها الذاهبة فكان مايميز الشيوعية
عن غيرها من أحزاب الدول الاشتراكية انها تطلق الحريات التي يكبتها العرف
ويقيدها الدين ويقبحها الأدب العام ، بالمقابل تفرض واقعا عمليا على الكل
أن يشترك فيه ، فهي تجمد العقول بالأعمال والحركات العضلية من جهة وتفتك
بمنظومة التوجيه الداخلية "الضمير ،القيم ، الأدب ، الوازع الديني الفطري "
من جهة اخرى ، واخطر الفصول المدمرة هو الذي مارسه الإعلام الشيوعي والذي
يمكن ايجازه في ثلاث خطوات أساسية لابتلاع الشباب العربي في الاعوام من
1950 _1970
الخطوة الاولى : اعلان الحرب على الاديان
معتبرا اياها "افيون الشعوب" والحقيقة ان الشباب العربي استجاب لهذا الطرح
انطلاقا من حالة الركود في البلدان العربية والتي رأى للدين فيها سيطرة الى
حد ما فعزا هذا الركود الى ذلك المخدر !! الحقيقة المرة ان الدين بريء من
التهمة ولكن من يدعون التدين كانوا الطائفة المنكفئة القابلة لكل المتغيرات
بعنوان المقسوم وماكتبه الله على الامة واخطاء السلف التي لابد ان تظهر في
الخلف والميل الواضح الى الرهبنة التي حذر القران منها ، وانسحابها
المستمر من المواجهة سواء من منطلق الحفاظ على طهارتها وعدم تلّوثها ام من
منطلق تخدير الناس بدعوى الحفاظ على النقاء. انّه موقف سلبي لا ينتفع منه
إلاّ الظالم لانه لا يسهم الا في تقوية الظالم على الناس مهما كان نوع
الظالم حتى لو كان المستوى المعاشي او المستوى الثقافي.!!
الخطوة
الثانية : ادلجة الثقافة والوعي ، وتصور معي ان الشاب العربي المفتقر الى
تعلم الكتابة والقراءة ينشأ في ظل ثقافة تعلمه الحروف هناك من المدن
البيضاء من الثلوج و الحرب الباردة ، ولذلك كان الشيوعي في العراق يعذب
ويتحمل الم السجون والاوضاع الرهيبة الى جانب الاحزاب الاسلامية والتي على
الاقل كانت تمني افرادها بالجنة فما الذي اطمع الشيوعي لتحمل كل هذا الثبات
؟!! اعتقد هو التربية الاولى التي اشرت اليها !!.
الخطوة
الثالثة : كان هناك غزو للجامعات والمعاهد مع قلتها والمثقف اينما يكون من
خلال الصحف والمجلات والكتب والمنشورات التي تحمل الكثير من النظريات
والتشكيكات والشبهات والمعلومات الدولية مما جعلها أي الشيوعية اعلاميا
ليست حزبا بل ثقافة وحركة فكرية ترفد المجتمع بكل ماهو جديد ..فضاع ذلك
الجيل في غمرة الاعلام الشيوعي الذي يطل من خلاله اعظم الدول برأسه على
الوطن العربي انه الاتحاد السوفيتي الراحل مع رحيل مااختاره من الشباب
العربي ضحية لماكنته الاعلامية الكبيرة مقارنة بتلك الحقبة ، ولاننسى ان
الشيوعية قربت المراة من الرجل بلا محاذير ولا عواقب فكانت هذه الطريقة
الافخاخ التي اصطادت بها العصافير السمراء الطموحة ... لم يبقى من الكيان
العربي والاسلامي معافى ً_ إلا أجيال الناشئة الفتية_ من طاعون الإعلام
فجاءت أيام الحروب والخطب الرعدية ليتحول معها الاعلام الى مايشبه النَّمام
فهو يدحرج هذا على ذاك والقوي على الضعيف ، تعامل الاعلام العربي مع
الازمات الخانقة على أساس إيصال الجماهير الى ثورة( الـ 7آب) عندما تفتح
القنينة يفاجئك بالضغط والدفع وما إن تترك له فوهة الزجاجة حتى يهدأ وينتهي
في الفم منسابا ذليلا .. فقد نفخ هذا الإعلام في صدام حتى صدم المشاعر في
حفرته ، وصّعد في قدرة الشعوب العربية على ضرب الانظمة حتى غصت السجون
وتقطعت المشانق من الاعناق ، ونفد الرصاص من الاجساد ، واعتمد تهويل
القاعدة حتى صاروا يرفعون اعلانا مؤسفا "القاعدة التنظيم الارهابي " حتى
اختزل الشباب العربي المسلم مصيره في العالم الى طريق واحد طريق ينتحر فيه
ويقطع نفسه بعد أن حاصره ذلك الإعلام بما روج للناس عنه من اساطير تنصل
عنها وعنه عندما بانت سرابا !! الاعلام العربي تلك المؤسسة الكبيرة الحاوية
على كل ما يعرض مرئيا ومسموعا ولانقصد بها كما يتوهم البعض نشرة الاخبار
واخبار المراسلين وماشابه ، عملت هذه المؤسسة على إفشال الأجيال العربية
الواحد تلو الآخر كما بينا فيما مر من الحديث .. واذا تمعنا في التحولات
الإعلامية التي طرأت على العالم بفضل التطور المذهل لتكنولوجيا المعلومات
التي حولته الى قرية واحدة، فان التحولات لم تفت أنظمة الحكم على اختلاف
أيديولوجياتها وتوجهاتها، بحيث أصبحت الحكومات العربية واعية أكثر لطبيعة
التحولات، وهي تحاول أن تستغلها من أجل ديمومة سيطرتها على وسائل الإعلام
أو التحكم بها، كما أن هناك من الحكومات من استوعب مدى تأثير تلك التطورات
ليبرر ويطوع القوانين المنظمة للإعلام، ليبدو الاعلام أسيرا لها. وهذا
ماجعل من الشباب العربي اليوم ضحية صراع الأنظمة العربية مع أمريكا من اجل
البقاء في الحكم، أطول فترة ممكنة او توريث حكمها الجمهوري الى أبناء
الرؤساء ، وهذا من اغرب أشكال الحكم في العالم برمته فهو ليس حكما ملكيا
ولاجمهوريا لانه يورث !! انه من قصص "اغرب من الخيال "
لقد
مارس الحكام العرب الضغط على القرار الامريكي من اجل تعديل يسير في
مشروعها الامبراطوري " الشرق الاوسط الكبير " لتكون المعادلة الشرق الاوسط
الكبير بوجود كبار السن من زعمائه ، مقابل إعطاء كل الضمانات بتحقيق
المشروع الامريكي اذا بقوا على سدة الحكم ! لكن كيف كان الضغط ؟ واين ؟
نعرف الـ كيف والـ اين اذا درسنا تاريخ الحركات الاسلامية المتطرفة منها
والمعتدلة وسير هذه الحركات في الشرق الاوسط في أي مصب كان عطاءها !! نعرف
حينئذ انها كانت جزءً من لعبة الزعماء العرب مع المشروع الامريكي والتي
ذهب في كواليسها أجيال من الشباب الملي بالعنفوان الثوري وحب الدين والقيم
من اجل إطالة عمر ذلك الكرسي الخرف "عاما او عامين " !! اين العدسة
الصادقة لتصور شباب غُرر بهم في كهوف الجبال على تخوم روسيا البيضاء
ومجاهيل سيبيريا وغياهب الشيشان وأودية الافغان وصحاري الانبار ، بل اين
القلم المنصف ليدفع عن هذه الأجيال من يوصمهم بالعار وهم كوكبة أحبت الدين
والأوطان ولكن جاءوا "للاسف" في المكان الخطأ والزمان الفائت عن احترام
القيم لقد ضاعوا في عقول الساسة والزعماء لمآرب لهم في الدنيا تتغير
ولاتعبأ بالدماء وتركوا اعلام الزعامة بفكر اسطوري يصور لاجيال متلاحقة ان
اجسادهم التي تتقطع في بطون المفخخات ترسل ارواحا الى الجنة والله اعلم ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق