الثلاثاء، 8 مايو 2012

كتاب في حلقات / المجتمع العربي نهاية تاريخ ونضوب حضارة ! - الحلقة الاولى

كتاب في حلقات / المجتمع العربي نهاية تاريخ ونضوب حضارة ! - الحلقة الاولى



اثير الخاقاني
الحضارة من أسرار الماضين و مفاتحها من مضى منهم ! وكلما نظرنا في هذا الأثر الموروث كلما ازداد يقيننا بانه لوحة تشكلت من جهود وزفرات وهموم وهمم وأفكار وطموح شدها تطلع المستقبل فرسمها كف الماضين وهانحن المستقبل لهم نحلل للمستقبل لنا ولسوف يقف كما وقفنا من نحمله مانريد لانه مستقبلنا وهكذا!! ولأننا قد نقف أمام سوق لبيع الخضار فنسجل هذا الموقف ولكن من يعبأ به وفي نفس عداد الوقت والكلفة نقف امام مفكر فنسجل ذلك ونسجل من فكره شيئا يعرف به فنمضي بالموقفين الى المستقبل بعد ان تبلى رسومنا في اثنائه ..كيف يقيمنا مستقبل افعالنا واعمالنا ؟ انه يحكم علينا كما حكم الواقع على أوراق بذلت دونها الدماء والأعراض وعلى اوراق اخرى تحرق بخسة كل صباح ومساء ! ربما يفسر لنا هذا المثال ظهور الحضارة؟ ولماذا اضطلع بها بعضُ الشعوب دون شعوبٍ أُخرى؟ وما هي أسبابُ نُموِّها وازدهارها ثمَّ ذبولِها وتدهورِها وتلاشيها لدى تلك الشعوب، ومِن بعد، أسباب ظهورها لدى شعوبٍ أُخرى، لتعودَ إلى النموِّ والازدهار ثمَّ الاضمحلال فالموت؟
يحق لأهل العراق أن يسالوا مثلا لماذا هم أول حضارة  أعلنت عن نفسها، قبل ما يُقارب ستَّة آلاف سنة؟ ولماذا عشعش الغراب فيها بعد فترة وصارت الى الزوال بعد أن اهتدت الى إشعال قبس النار لتعرف اقوام غيرهم ان الليل ليس اسودا دائما ، هل تتبادل الحضارات الأدوار بينها اذا رأت في أهلها دون او فوق ماترى ؟ ان دراسة جدية لخطر ذبول الحضارات في بلاد العرب وعلى رقعة الاسم الجديد على الحضارات "الشرق الأوسط "وانتقالها جوا او برا او بحرا الى بلاد الغرب وبالمصطلح الحديث " الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي " إلا يفطن المجتمع العربي الى  تلك الحضاراتٌ التي زحفت باتجاه الرعاية والاهتمام عنه ، كحضارةُ الفراعنة في مِصر، وحضاراتُ الأَكَّدييِّن والآشورييِّن والبابلييِّن في العراق، والفينيقييِّن في بلادِ الشام التي كانت تضمُّ سوريا ولبنان وفلسطين والأُردنّ، لقد وجدت ذاتها في عالم اثار يحقق فيها ليلا ونهارا دون ان يتلو عليها طلسم الشفاء او يضربها ببيتين من الشعر غزلا او وصفا ، وهل ينفعها الغزل وأضلاعها تتهدم ؟ وهل يجدي الوصف الدقيق لمدحها وهي تغرق بالمزابل والمحن وقد حكى احد علماء الآثار يوما عن موقع اثري مهم للغاية وعندما سئل عن عمليات التنقيب الحالية فيه قال ان الموقع يسكنه مجموعة شرسة من الكلاب المسعورة ولا احد يقدم لنا العون بدءا من المسؤول والى شيخ القبيلة المجاورة للموقع ، وموقع آخر اصبح قرية وموقع ثالث وصلت عمليات التنقيب فيه ولكن ليس للاستفادة العلمية وانما للسرقة المنظمة ضمن مافيات الاثار ! هذا تاويل حديثي لقد طارت الآثار جوا وبحرا وبرا الى أعظم المتاحف العالمية حيث تجري عليها كل شهر دراسة اوبحث في مختلف المجالات ، ومن الاختراعات ما أفصح أصحابها في أكثر من مناسبة عن ملهمهم الأساس  واذا به حضارة اكد او سومر او اشور او الاهرامات او غيرها من تحف الماضي ..  وهذا ليس له علاقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي !! انها سنة التاريخ ودورة الواقع من يدرس ينجح ، ومن يكسل يرسب ، هذه قواعد تحكم البشرية جميعا فالشعوب والدول الأخرى كانت في قرون ظلامية ولكنها رفضت هذا الوضع المأساوي وقررت ان تتخلص منه ، في حين كنا نحن أصحاب الحضارات نمتطي أسد بابل ومن الأهرام منتجعا ومن زقورة أور متكأً نفتخر ولا نتعلم ونهذي ولا نجرب ونستكشف ، فانتقلت منا هذه الأمانة "الحضارة" كما انتـقـلت من أراض أخرى ؟لو يتدبر المجتمع العربي قانون الحضارة لمات ندما على حضارته التي يفرط بها يوميا وإلاّ لماذا تظهر فجأة حضارة جديدة حتى من الجذور وما ان وطنت وجودها حتى رسخت رسوخ من مضى عليها آلاف الأعوام  أنها حضارة الإسلام  بعد ان تهاوت أمامها حضارة الرومان والفرس ولماذا انتقلت هذه الحضارةُ بعد ذلك إلى أوروبَّا مرَّةً أُخرى، فحقـقت للنهضةَ الأُوروبيَّة مُنجَزاتٍ هائلةً في مُختلف المَيادين والفكريَّة والتشريعيَّة والفلسفيَّة والتكنولوجيَّة إلخ... كما سيطرت على مُعظم أَجزاء العالَم إمَّا بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر؟
إن كل حضارة تغادر محيطها لتستوطن أرضا جديدة تولد حركة هائلة تؤثر بنفس المقدار على ذهنية المجتمع وعلى أنماطه السلوكية وعلى مايتعلق بظرفي الزمان والمكان من مصالح الإنسان والحيوان والنبات والجماد وهذا ماحصل في دول حلّت عليها حضارة وافدة من بعيد كالولايات المتحدة الأمريكية اذ شهدت تقدما حضاريا  جارفا والأحداث المُعاصرة السياسيَّة والاجتماعيَّة، ولاسيَّما العلميَّة والتكنولوجيَّة التي أخذَت تسيرُ بسرعةٍ هائلةٍ لم يسبقْ لها مثيلٌ في تاريخ البشريَّة، إذْ أضحت الحضارةُ الحديثة تقفزُ بوتيرةٍ مُتسارعة فتُنجزُ في عَقدٍ من الزمن ما يُعادل مُنجَزاتِ مئاتِ السنين مِمَّا أنجزته أيُّ حضارةٍ سابقة وهذا يرجع الى ماقررناه من هجرت الحضارات وتوالدها واثرها الناتج من كل ذلك  ..ولكننا الآن على حافة بقايا الحضارة العربية كما يؤكد ما يلوح بالأفق ومايظهر كل يوم من خفوت وضمور ،ان البعض شاء ان يعرّف الحضارة بانها ذلك الركام والأحجار والنصب والشاخص الهرم ! وماذلك الا ليستر فضيحة العجز عن اللحاق بالركب السريع ...ان الحضارة منظومة توجيه يرثها الحاضر فيها كل ما بدا به مَن قبلنا في الزمن الماضي  ليستانف المتحضر مبدأ الفكرة المجردة هناك بالفكرة ومصداقها وينضج نظرية كانت بحكم العقلية السالفة متكاملة وينقب في مادة خام الى اشتقاقات مثمرة ومنفعة وعديدة ، انني استغرب من ظاهرة الزهو والفخر عند مجتمعنا العربي  فهناك الكثير من الكتاب والباحثين والخطباء على المنابر يعتبرون ابن خلدون مفخرة العرب في علم الاجتماع وقد يصادف ان يصبح ابن خلدون قائدا قوميا يحرر الأمة من اي احتلال !! وبالرغم من كوني معجبا بابن خلدون الى حد بعيد لكني رأيت أن الكثير من هولاء لم يطلعوا بدقة على ماكتبه في مقدمته وتاريخه اذ يرى ابنُ خلدون أنَّ العرب "أبعد الأُمم عن سياسة المُلك؛ والسببُ في ذلك أنَّهم أكثرُ بداوةً من سائر الأُمم، وأبعدُ مجالاً في القـفـرِ، وأغنى عن حاجات التُّلُول وحبوبها، لاعتيادهم الشظفَ وخشونةَ العيش، فاستغنَوا عن غيرهم، فصعُبَ انقيادُ بعضهم لبعض، لإيلافهم ذلك وللتوحُّش." وله فصلٌ خاصٌّ تحت عنوان "العربُ أبعدُ النَّاس عن الصنائع"، يقول فيه: "والسببُ في ذلك أنَّهم أعرقُ في البدو وأبعدُ عن العمران الحضَريّ وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها. والعَجَمُ من أهل المَشرق وأُمَم النصرانيَّة عُدْوَةَ البحر الروميّ أقوَمُ النَّاس عليها، لأنَّهم أعرقُ في العمران الحضَري ..وفي مكان آخر يصفهم بأنهم لايكون المصلح فيهم الا نبي  في إشارة الى عصيهم على كل مادون النبوة ..ان البداوة تمنع من البناء وأعرافها تعزز صفة الإباء الشديد بالحد الذي يترفعون به عن احتراف اي حرفة ولذلك اخذ عنهم اعتبارهم العمل في الحِرف ماعدا الرعي وحياة الصحراء بالمهن لانها شبه اهانة تنزل بصاحبها ولااعرف كيف ومتى حصلت هذه الاهانة ؟ وصعوبة انقيادهم ورضاهم بماهم فيه حرمهم من مواكبة العصر وآنسهم الى ماكان يفعل آبائهم وأجدادهم  ففات حينهم عن قافلة العالم  !!
هل سيكون المصيرُ شبيهًا بالحضارات القديمة البائدة أو مصير حضارات أمريكا الوُسطى والجنوبية مثلاً؟ وهل يمكن أن يصبحَ مصيرُ الشُعوب العربيَّةِ كمصيرِ شعوب الأمريْـكتين ِ بعد أن غزاها الغربُ المسلـَّحُ بالحضارة الحديثة؟ أو سنتحوَّلُ، في أفضل الأحوال، إلى مُجرَّد قِوًى بشريَّة رخيصة عاملة ومُستهلِكة تَجِدُّ لخدمة القِوى العلميَّة والتكنولوجيَّة العالَميَّة، أو المحلِّـيَّة ؟ أليس هذا نمط من الاستعباد المؤدي إلى الانقراضِ التدريجي، كما حدثَ ويحدثُ تماماً اليومَ ومنذ بـِضعة قرونٍ بالنسبةِ للسكانِ الأصليين في الأمريكتين مثلا ً؟ يستورد العرب حضارتهم من الخارج من دول الغرب على هيئة مشتقات كما كان ولازال بعض الدول العربية يصدر الخام ويستورد المنتوج المصرّف من النفط  ! في حين لايرضى اي مكون عربي او اسلامي ان يتنازل عن الاعتزاز بحضارته المفقودة ! يحارب الدول الكبرى بحجة انها مستبدة ومستكبرة وهذا صحيح دائما مع طموح  الجشع الرأسمالي ولكن من الذي  وفر له أدوات التفكير والتحضر وعوامل التقدم ؟ من الذي هيئا له الرق لتنسجم المعاملة من سيد ورق رخيص ؟ من الذي قضى على كفاءات الشرق اما تسقيطا في المجتمع بالقيل والقال " غيبة ونميمة مخجلة  وافتراءا" او بجعله في أدنى الدرجات الاجتماعية والاقتصادية بل يكون فرصة للأطفال لترميه بالحجارة وتعتبره لعبة بشرية جميلة في ليلة العيد ، المجتمع العربي هو من أهدى حضارته الى الغرب وقتل وكتم أنفاس أبنائه الذين حذروه من هذا الفخ اللئيم !! وكلما سمعت او قرئت عن رغبة بعض الإسلاميين في إعادة الخلافة الاسلامية او عكس دورة التاريخ من خلال مايطروحونه وينتجونه من كتب وبحوث ومن قبلهم القوميين والعروبيين أراهم جميعا بحثوا عن حقهم في الجانب الآخر وقاتلوا وقتلوا على جزئيات في طريقها الى التحقق لو صبروا على الأمر لان مايخشونه انه هو موضع الخلل انما هو نقطة القوة لهم ولأعدائهم  في ذات الوقت !! فالخلافة الإسلامية والحكم الاسلامي سوف لن يصمد مع الحكم العالمي الفاسد والمعاملات الربوية الكبيرة التي تعتبر جزءا من النظام المالي الدولي وكذلك المعاهدات المشروطة بحقوق الانسان والتي منها حق السفور وحق العلاقة وحق الحريات الخاصة ومنطق العلمنة في إدارة الدولة وسواها كثير هذا من غير الجانب السياسي الذي سيضغط على قرار دولة الخلافة بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة "في الحب والحرب كل شي مباح "  بالنهاية تتحول الخلافة الى كرسي مرصع ومزركش بالآيات والاحراز وحاكم ملتحي ولاشي غير ذلك من مبادئ الحكم الإسلامي الحقيقي  فيخسر الاسلاميون كل شعبيتهم ووقارهم حتى يصلوا الى هذه المرحلة التي ليس لهم منها شي سوى الظواهر التافه والكل ناقم عليهم وعلى الدين وهي في عين الوقت والحالة هي نقطة قوة لأعدائهم  والأمر دقيق فتأمل
وإذا عُدنا إلى الحضارة الغربيَّة المُعاصرة نفسها وفق دورةٌ عُمريَّةٌ مُعيَّنة تُشبه إلى حدٍّ بعيد دورةَ عُمرِ الكائنات الحيَّة، فهل هذه الحضارةُ الغربيَّة ستُلاقي نفس المصير القاتم المحتوم، كما أشار إلى ذلك أزْولد شبنغلر، في كتابه الشهير "انحطاط الغرب" منذ عام 1918؟ وهل يُمكن أن نُضيفَ علاماتٍ مُستجدَّة إلى انحطاط الحضارة الغربيَّة المُعاصرة، ظهرَت في العقدَين الأخيرين، أهمُّها : التلوُّثُ وتدهورُ البيئة، أوَّلاً، وازديادُ نسبة الجريمة المنظَّمة، ثانيًا، وانتشارُ استعمال المخدِّرات، ثالثًا، واستشراءُ مرض نقص المناعة المكتَسَب (الإيدز)، رابعًا، وتدهورُ العقل المِعياريّ، كما يقول ماكس هوركهيمر M. Horkheimer في كتابه "كسوفُ العقل"، خامسًا، وتدهورُ المثُل الأخلاقيَّة والروحيَّة، كما يقول ألبرت شفايتسر A. Schweitzer في كتابه "فلسفة الحضارة"، سادسًا؟
هذه التساؤلات نستعرضها في الحلقة القادمة إنشاء الله تعالى .
تنويه : المصادر في آخر حلقة بعد جمع الكتاب وترقيم كل مصدر وفق موضع الشاهد الذي اخذ منه للمواضيع .


هذا الكتاب من 100 حلقة تنشر تباعا...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م