الخميس، 10 مايو 2012

كتاب في حلقات : اطلالة على كتاب الله : الحلقة الثامنة


كتاب في حلقات الحلقة الثامنة

للقرآن الكريم روعه أدخل وشوف



اثير الخاقاني
السنن التاريخية  في المفهوم القرآني :
يعد السيد الشهيد محمد باقر الصدر رائداً متميزاً في مختلف الميادين ومن هذه الميادين التشرف بكتاب الله تعالى بحثا واستثمارا وتفسيرا ومن هذه الاسهامات  بحث موضوع السنن التاريخية ضمن سلسة محاضراته حول التفسير الموضوعي للقران المجيد وقد وفق لهذا المسعى ايما توفيق رغم التضييق والمحنة التي كانت محيطة به ...الا ان الموضوع لازال قابلا للدراسة وفيه من التفاصيل البعيدة عن نوال الباحثين والمحققين ممايستدعي بذل الوسع لاستقصائها او استقراءها على الاقل  ومن خلال القراءة المتواضعة توصلنا الى ابرز النقاط في هذا الموضوع  وهي على ثلاث مستويات متباينة هي :

المستوى الاول :
صفة الدوام والاستمرارية لهذه السنن وهي جارية على اختلاف الشعوب والامم وعبر الازمان المتعاقبة كما عبر عن هذا المستوى الذكر الحكيم بقوله (« ولن تجد لسنة الله تبديلا .. » (سورة الاحزاب : الآية (62) .) ، « ولا تجد لسنتنا تحويلا .. » (سورة الاسراء : الآية (77) .) ، « ولا مبدل لكلمات الله ... » (سورة الانعام : الآية (34) .) هذه النصوص القرآنية تقدم استعراضا تؤكد فيه طابع الاستمرارية والاطراد أي طابع الموضوعية والعلمية للسنة التاريخية ..( 46)
المستوى الثاني :
 السنن التاريخية ضوابط كونية لاوجود للمجاملة او التحايل عليها وهي قاضية بأحكامها على الواقع تحت طائلة قوانينها زمانيا اومكانيا اوفكريا او تجتمع في فرد او جماعة او امة كقتلة الإمام الحسين عليه السلام فكل من سمع الواعية جرت السنة الكونية عليه ومن المؤسف ان من سمعها كانوا ألوف خرجت تبغي الدنيا مع الجيش الاموي ..! وكمثال واقعي آخر على ذلك من عقّ والديه او قطع رحمه او ظلم الناس او هتك ستراً او تتبع عيوب الناس كلها تدخل أصحابها تحت سنن تاريخية وقوانين كونية تنزل عقوباتها لتقصر الأعمار والأرزاق وتخرب الديار وفي كل ذلك اية صريحة على ان هذه السنن لاتفاوض مع حتميتها الا خالق السنن وقاهرها تبارك وتعالى   .

المستوى الثالث :
 هذه السنن الكونية  تندرج جميعها تحت الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى  فكل اسم بما يرتبط به من سنة ؛ فسنة الرحمة تتصل بأسم الرحمان الرحيم ، وسنة الانتقام تنبع من مواضع انتقامه ، وهكذا الحال بالنسبة الى بقية الأسماء ، والصفات الالهية . وحول سنة الانتقام الالهي نقول : ان الله - عز وجل - شاء بمشيئته العليا ان ينتقم من كل طاغوت متجبر في الأرض ، فهو - سبحانه - أبى ان لاتكون الكبرياء والجبروت الا له ؛ فقد جاء في الحديث عن الامام الصادق ( عليه السلام ) يقول عن الله تعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني في شيء منهما قصمته .. (47) ، ولذلك فعندما يأتي طاغية كفرعون ، ويدعي الربوبية قائلا : { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى } ( النَّازعات / 24 ) ، فان السنة الالهية تفعل هنا فعلها في الانتقام ، ولذلك رأينا ان رب العالمين أخذ فرعون وجنده واغرقهم في اليم ، وجعلهم عبرة لمن يعتبر .وفي مقابل هذه السنة ، هناك سنة الدفاع عن المستضعفين المتصلة بسنة الرحمة ،
ومن كونه - تعالى - الرحمن الرحيم فهو يدافع عن المستضعفين وينصرهم في نهضتهم ضد الظالمين ، ويجعل انتقامه على أيديهم ان هم اخلصوا النصرة له ولكلمته العليا ، ووجد منهم - سبحانه - الاخلاص والتفاني في سبيله ، وفي ذلك يقول - عز وجل - : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ } (القَصَص/5-6). ( 48)
  المستوى الرابع :
كل كلمات الانبياء والمرسلين ومن بمستواهم كالخضر ولقمان الحكيم ونحوهم والائمة المعصومين هي سنن تاريخية وقوانين كونية فماينطق بكلمة الا وهي سنة كونية لاتبديل ولاتحويل فيها فكلمة الامام الحسين عليه السلام في معركة الطف لعمر بن سعد حول ملك الري او لباقي الطغمة الكافرة المحاربة لله ولرسوله في كربلاء سنة تاريخية وقانون كوني لايقبل النقاش . وهذه مجموعة من النماذج جرت على لسان اهل البيت عليهم السلام وهي وافية واضحة :
قال امير المؤمين علي عليه السلام : «عباد الله إنَّ الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين، يعود ما قد ولّى منه، ولا يبقى سرمداً ما فيه، آخر فعاله كأوّله، متشابهة اموره، متظاهرة أعلامه»(49).
وفي تفسيره للايمان باعتباره ذا أربعة أعمدة الصبر واليقين والعدل والجهاد)، يقول: (اليقين منها على أربع شُعَب، على تبصرة الفطنة وتأوّل الحكمة، وموعظة العبرة وسنة الأولين)(50).
ويقول(عليه السلام) في موضع آخر:
(واعلوا عباد الله انكم وما انتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم، ممن كان اطول منكم اعماراً، واعمر دياراً، وابعد آثاراً..)
ويقول في خطبة اخرى:
«فاعتبروا بما اصاب الامم المستكبرين من قبلكم. من بأس الله وصولاته ووقائعه ومثلاته. واتّعظوا بمثاوى خدودهم ومصارع جنوبهم»(51 )كما يقول في نفس الخطبة:
«فانظرو كيف كانوا حيث كانت الاولاد مجتمعة والاهواء مؤتلفة. والقلوب مهتدلة. والايدي مترادفة. والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة والغرائم واحدة، الم يكونوا أرباباً في اقطار الأرضين؟ وملوكاً على رقاب العالمين؟! فانظروا الى ما صاروا اليه في آخر امورهم، حين وقع الفرقة، وتشتّت الألفة، واختلفت الكلمة، والافئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص اخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين»(52).
ويقول في خطبة اخرى:
(وان لكم في القرون السالفة لعبرة، أن العمالقة؟ وأبناء العمالقة اين الفراعنة وأبناء الفراعنة اين اصحاب مدائن الرّس الذين قتلوا النبيين، وأطفئوا سنن المرسلين، احيوا سنن الجبارين؟ اين الذين ساروا بالجيوش، وحزموا بالألوف، وعسكروا العساكر ومدّنوا المدائن؟(53).
كما أن الروايات الاسلامية اولت عناية كبيره لهذه المسألة، واعتبرتها أحد المصادر المهمّة للمعرفة وبالأخصّ للمسائل الاخلاقية، وتهذيب النفوس، والالتفات الى واقعيات الحياة.
وقد جاء في رواية أن الامام امير المؤمنين(عليه السلام) عندما كان في طريقه مع عسكره الى صفين وصل الى مدينة (ساباط) ثم الى مدينة (بهرسير) (المناطق التي كانت مركزاً لحكومة الساسانيين) التفت احد صحابته فجأة الى آثار كسرى (والملك الساساني المعروف) وانشد البيت:
جرت الرياحُ على مكان ديارهم ***** فكأنّهم كانوا على ميعاد
فقال الامام(عليه السلام): لِمَ لم تقرأ. هذه الآيات: (كَمْ تَرَكَوا مِنْ جَنّات وَعُيُون وَزُرُوع وَمَقام كَرِيم وَنِعْمَة كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَاَورَثْناها قَوماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالاْرْضُ وَما كانُوا مُنظَرِينَ)(54).
وقد جاء في حديث الامام الصادق(عليه السلام): إنّ داود(عليه السلام) خرج من المدينة وهو يقرأ (الزبور)، وما من جبل أو حجراً وطير أو حيوان وحشي إلاّ ويقرأ معه، وهو مستمر في طريقه حتى وصل الى جبل، يعيش على قمته نبي عابد اسمه
(حزقيل)، أدرك مجيء داود عندما سمع ترتيل الجبال والطيور والوحوش، وعندما سأل داود النبيَّ: هل تأذن لي بالصعود إليك؟ فأجابَهُ النبي العابد: لا، فبكى داود، فأوحى الله الى (حزقيل) بأن لا يوبّخ داود، وأن يطلب من الله تعالى حسن العاقبة، فقام حزقبل وأخذ بيد داود وجاء به الى محله.
فسأله داود: هل عزمت على الذنب يوماً؟
فاجاب: لا.
ثم سأل: هل حصل عندك الغرور والعجب لكثرة عبادتك؟
أجابه: لا، ثم سأله: هل رغبت في الدنيا وهل أحببت شهواتها ولذاتها؟
أجاب: نعم، نعم قد يخطر هذا في قلبي.
فسأله: ماذا تفعل آنذاك؟ أجاب: أدخل في هذا الوادي واعتبر بالذي فيه.
فدخل داود الوادي، فرأى أريكة من حديد وعليها جمجمة متآكلة وعظاماً رميمة ولوحة مكتوبة، فعرف داود: أن ذلك يتعلق بملك مقتدر حكم سنينَ طويلة وبنى مدناً كثيرة. وقد بلغ به الأمر الى ما تراه ... ( 55).
هذه الروايات والاخبار والخطب نماذج على السنن التاريخية وقاهريتها  وقصتها مع الأولين لاتختلف عنها مع الآخرين فليتعظ كل منا بهذا الحديث قبل ان تجري علينا سنن من كانوا قبلنا ...
المصادر :
46 . المدرسة القرآنية الشهيد السيد محمد باقر الصدر ص 62.
47 .بحار الانوار : المجلسي : ج70 ص 192 .
48 . التوحيد صبغة الحياة  السيد محمد تقي المدرسي ص37.
49 . نهج البلاغة : شرح وتحقيق محمد عبده  الخطبة 157.
50 . نهج البلاغة، الكلمات القصار، الجملة 31.
51 . نهج البلاغة، الخطبة 192، (الخطبة الناصعة).).
52 . نفس المصدر، الخطبة 192، (الخطبة الناصعة).
53 . نهج البلاغة، الخطبة 182 .
54 . بحار الانوار : المجلسي  الجزء 68 الصفحة 327.
55 . بحار الانوار المجلسي  الجزء 14 الصفحة 22 (ملخص الحديث). نفحات القران : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج1 ص 155 -  169.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م