الخميس، 10 مايو 2012

كتاب في حلقات : اطلالة على كتاب الله : الحلقة الخامسة


كتاب في حلقات ( الحلقة الخامسة)



للقرآن الكريم روعه أدخل وشوف




اثير الخاقاني
كتاب يهدي للتي هي أقوم: 
الهداية من أهم أهداف القران الكريم تجاه العباد والهداية  هي الإرشاد والدلالة ، والهدى ضد الضلال  و القرآن هو كتاب الهداية فيستفاد من جميع آياته، إذ أن كلّها تنصب في الهداية وتصرِّح أو تشير إلى الجانب الهدائي والتوعوي سواء في قصصه أو في أمثاله أو في بيانه للقضايا العلميَّة، لأنَّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم لم يبعث لأجل أن يبيِّن للناس الحقائق العلمية و أسرار الطبيعة، بل بعث لتعليم الناس و تزكيتهم فهو السراج المنير . وبناءً عليه، عند قراءة القرآن، ينبغي أن نركِّز على الجانب الهدائي في القرآن الكريم (33). أن الهداية من الله تعالى على قسمين : هداية عامة وهداية خاصة ، والهداية العامة قد تكون تكوينية ، وقد تكون تشريعية ، أما الهداية العامة التكوينية فهي التي أعدها الله تعالى في طبيعة كل موجود سواء أكان جمادا أم كان نباتا أو حيوانا ، فهي تسري بطبعها أو باختيارها نحو كمالها ، والله هو الذي أودع فيها قوة الاستكمال ، ألا ترى كيف يهتدي النبات إلى نموه ، فيسير إلى جهة لا صاد له عن سيره فيها ، وكيف يهتدي الحيوان فيميز بين من يؤذيه ومن لا يؤذيه ؟ فالفأرة تفر من الهرة ، ولا تفر من الشاة ، وكيف يهتدي النمل والنحل إلى تشكيل جمعية وحكومة وبناء مساكن ! وكيف يهتدي الطفل إلى ثدي أمه ، ويرتضع منه في بدء ولادته ( قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) طه : 50  .وأما الهداية العامة التشريعية فهي الهداية التي بها هدى الله جميع البشر بإرسال الرسل اليهم وإنزال الكتب عليهم ، فقد أتم الحجة على الإنسان بإفاضته عليه العقل وتمييز الحق من الباطل ، ثم بإرساله رسلا يتلون عليهم آياته ، ويبينون لهم شرائع أحكامه ، وقرن رسالتهم بما يدل على صدقها من معجز باهر ، وبرهان قاهر ، فمن الناس من اهتدى ، ومنهم من حق عليه الضلالة : أنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا الانسان : 3  .
وأما الهداية الخاصة ، فهي هداية تكوينية ، وعناية ربانية خص الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه حكمته ، فيهيئ له ما به يهتدي إلى كماله ويصل إلى مقصوده ، ولو لا تسديده لوقع في الغي والضلالة ، هذا وقد أشير إلى هذا القسم من الهداية في غير واحد من الآيات المباركة ، قال عز من قائل :" فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة الاعراف : 30 . قل فلله الحجة البالغة فلو شآء لهداكم أجمعين الانعام : 149 . ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشآء البقرة : 272 . إن الله لا يهدي القوم الظالمين الانعام : 144 . والله يهدي من يشآء إلى صراط مستقيم .  البقرة : 213 . إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشآء . القصص : 56 . والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . العنكبوت  : 69 . فيضل الله من يشآء ويهدي من يشآء وهو العزيز الحكيم  . ابراهيم  : 4 " .
إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها اختصاص هداية الله تعالى وعنايته الخاصة بطائفة خاصة دون بقية الناس ، فالمسلم بعد ما اعترف بأن الله قد من عليه بهدايته هداية عامة تكوينية وتشريعية طلب من الله تعالى أن يهديه بهدايته الخاصة التكوينية التي يختص الله بها من يشاء من عباده . (34)
ونخلص الى ان الهداية بقسميها العام والخاص والهداية العامة بقسميها التكويني والتشريعي قد بلَّغ القران  بها وبيَّن حدودها وآياته مفاتيح الهدايات جميعا  وكما جاء في قوله تعالى. (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (الإسراء آية 9) (..قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى .. البقرة آية 120) والهداية تعني سلوك الطريقة الصحيحة والمصدر لهذه الهداية هو القران وعلى ضوء هذه المعادلة من يخالف القران فانه من الناكبين عن سواء الطريق .
والقران لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية ، القرآن الكريم لم يكن كتابا مدرسيا ، لم ينزل على رسول الله (صلى الله عليه واله ) بوصفه معلما بالمعنى التقليدي من المعلم لكي يدرس مجموعة من المتخصصين والمثقفين ، وانما نزل هذا الكتاب عليه ليخرج الناس من الظلمات الى النور ، من ظلمات الجاهلية الى نور الهداية والإسلام . اذن هو كتاب هداية وتغيير وليس كتاب اكتشاف وتجارب (35)  وطبيعة الهداية القرآنية انها شاملة جامعة لكل نواحي وميادين الحياة لان الإنسان في مسيرة عمره يسير وأمامه اتجاهات وطرق مختلفة وهي متناقضة وخطرة الاّ الصراط المستقيم فأنه الموصل الوحيد الى الغاية وبوصلته تتجه الى الأمام فقط وهو واسع في ذاته يسع كل الخلق فكل مخلوق له من هذا الصراط سبيل دون ان يتنكب جادته او ينحرف عن اتجاهه ويحتاج المرء الى كاشف في طريقه لئلا يتعثر او يعشو بصره في الظلام الحالك وهنا تبدو ايات القران انوارا تهدي وتوضح وتبين معالم الطريق كما قال تعالى :( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (*) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة 15 – 16 ) . يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (الحديد 57)
وللهداية القرآنية ثمرات كثيرة ظاهرة وباطنة قريبة وبعيدة ومن هذه الثمرات الظاهرة والقريبة من عقولنا :
1. إيقاظ التدبر والتأمل وهي ثمرة الهداية القرآنية وبخلاف هذه الهداية فان صاحبها مفتقر الى التدبر يعيش التيه والفوضى  كما قال تعالى أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء اية 82) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد اية 24).
2 . الاستماع والإنصات الى الآيات القرانية تأتي من ثمرات الهدي القرآني قال تعالى (ذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأعراف 204) .
3. الاعتبار بالقصص القرآني وهي نافعة لمن هدى الله أنفسهم بالقران والا فقصة يوسف لو قرئت على النفوس الضالة لم تردعهم لحظة عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (يوسف 111) .
4 . التركيز على الهدي العقلي دون الحسي في معظم الاحيان كما قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ...(سورة الرعد 31) ) .
5. ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (الاسراء اية 9) يعلق السيد الطباطبائي على هذه الاية بقوله (و القرآن الكريم مع ذلك يذكر أن ما يهدي إليه طريق من الطرق الفكرية، قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم": إسراء: 9 أي الملة أو السنة أو الطريقة التي هي أقوم، و على أي حال هي صراط حيوي كونه أقوم يتوقف على كون طريق الفكر فيه أقوم، و قال تعالى: "قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم": المائدة: 16 و الصراط المستقيم هو الطريق البين الذي لا اختلاف فيه و لا تخلف أي لا يناقض الحق المطلوب، و لا يناقض بعض أجزائه بعضا.. ) (36 )
6. تزيد الهداية القرآنية  المؤمن إيمانا والجاحد إضلالا كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (سورة الأنعام آية 25) وبالمقابل من يؤمن ويوفق للهداية القرآنية (.. يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (سورة مريم آية 76).

المصادر :
33. الامثل في تفسير كتاب المنزل : الشيرازي ج1 ص 73.
34. البيان في تفسير القران : السيد الخوئي ص 496 .
35 . المدرسة القرانية : السيد الشهيد محمد باقر الصدر ص 36.
36. الميزان في تفسير القران : العلامة الطباطبائي ج5 ص 147 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م