الثلاثاء، 10 يوليو 2012

كتاب في حلقات : باب الرجاء : الحلقة الرابعة




الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب الصفوة للأمة
خطاب الأنبياء والأولياء هو  منتهى الخطاب الديني الذي يمكن ان يبلغه بشر عصم من الزلل لقد منُحت هذه الصفوة شرف الخطاب مع الأمة – أي امة كل واحد منهم بحسب ما وجه إليه – بلسان الله الخالق تبارك اسمه . التعبير النبوي يستنزل في خطابه المراد الالهي وعلى هذا يكون كل مصطلح منهم مرادا لله تعالى في وضعه وبقبال هذا التشريف هناك ابتلاء النزول الى مستويات الامة كل بحسب ادراكاته ونفسياته والأشد على صفوة الخلق انهم في تبليغهم الشرائع هو ان مايقابلهم ليس عقول الناس بل نفوسهم وهذا ما أدى بهم الى القتل والحرق والإيذاء الأليم لكون النفوس في الغالب مستباحة من العدو اللدود لله ورسله ورسالاته لان العقول تخضع لموارد الحقيقة وترى العظمة كل العظمة في المنزل القرآني لكنها غلبت في معركة الهوى سلفا ومن المناسب ان نستعرض نماذج من التاريخ القرآني لحملة الخطاب الديني الحق وسفراء الشرائع السماوية :
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ الايات  .(21) الايات من سورة ال عمران )
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (ال عمران 112)
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (ال عمران 181)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء 155)
اما الايات التي تتحدث عن تكذيبهم والاستهانة بهم والاستهزاء فهي كثيرة منها :
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (المائدة 70)
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (الأنعام 43)
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (الأعراف 92)
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (التوبة 90)
آيات الاستهزاء :
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (الأنعام 10)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (الحجر 11)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (الانبياء 41)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (يس 30)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (الزخرف 7)
الدروس المستفادة :
ان المستفاد من هذه الآيات هو ان الخطاب الديني الممثل للسن الالهية تمثلا مطلقا شاملا عانى من صدود النفوس من خلال أسلوبين أساسين هما :
1.   التكذيب .2. الاستهزاء والاستخفاف والتهوين .
الأسلوبان من اختراع المفكر الأول في عالم الشر إبليس عليه اشد اللعنة والعذاب اما لماذا يعزز أعوانه بهذين الأسلوبين خصوصا مع الأنبياء والأولياء فهو سؤال قديم متاصل في النفس البشرية والقران العزيز أشار إليه في العديد من الآيات كما عرضنا وربما نستجمع شيئا من الإجابة القرآنية في هذه النقاط التالية :
1.   التكذيب هي صفة عارضة على ذات الإنسان اذ الأصل الصدق لانه من ذاتيات الإنسان لانه صادق بالفطرة وكاذب لسبب من الأسباب وهذا التكذيب ياتي بعد العجز عن التحدي والمجابهة العملية الشريفة يلجأ العتاة -المتزعمون لحملة محاربة الأنبياء والأولياء - الى تكذيب الدعوة وأسباب هذا التكذيب في ثلاث :
أ . صرف الأنظار عن الدعاة الى الله صرفا نفسيا لان الكذب صفة طاردة للجاذبية اي لايولد للمتكلم او العامل اي كاريزما عند الاخرين وهو المطلوب .
ب. تنفير المجتمع من الداعي الى الله بتكذيب دعواه اذ يعمل التكذيب كحجة اجتماعية في قبال دعوة الانبياء ولايرفع هذا التنفير إلاّ سوط المعجزة على وجوه المغفلين من الناس .
ج. يعمل التكذيب كورقة ضغط على الأنبياء للتنازل عن دعوتهم مقابل رفع تكذيبهم عنهم وهذا نتيجة جهلهم بمقام النبوة والنبي .
ومرد التكذيب من جهة بعضهم ولاسيما الملأ وهم سادة الاقوام المنحرفة هو الكبر والتكبر على الطبقة الفقيرة لانها تحتهم منزلة بتصورهم ولذلك لايحق لها ان تكون في مقام المتكلم والمدهش ان الله جل جلاله ابرز  من بعثهم من الأنبياء والمرسلين  كانوا من الفقراء بل ومن الأيتام وهما صفتان لايتشرف بهما المجتمع المترف كما
قال تعالى : وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف 31)
2.   الأسلوب الثاني : وهو الأسلوب الأشد فتكا على الدعاة الى ربهم اذ يفّعل الساحات الاجتماعية والفكرية ضدهم وبجيشها كأدوات حرب بيد أعدائهم قابلة لأي فعالية مارقة عن الدين  ، والاستهزاء يجعل من الناس دائما مصادر شك وارتياب بالنبي او المرسل او الداعية فيقلل الاصغاء لحديثهم ويشتت الانتباه ويولد حالة من السخرية بأي موقف او مقال يصدر منهم فيه وجه غرابة او غموض فمثلا ضرب الله بالذبابة مثلا فما كان منهم إلاّ ان سخروا بالنبي وكيف يضرب ربك الامثال بهذه المخلوقات او حينما وجد بعضهم في المقبرة عظما صار رميما لميت سابق كما يقص علينا القران : وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (*) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (*) 78 و79 من سورة يس . وهذا نوع من الاستهزاء بعقلانية الانبياء ومقام النبوة الذي يفترضهم لايعرفون عن أمور الدنيا وكانهم لم يروا هذه الرفات ويعاينوا الرميم وهو ديدن مستمر في نفوس الفئات العاتية المتمردة على رسالات ورسل الله تعالى .

نكمل في الحلقة الخامسة
تكليف الدعاة الى الله تعالى في النزول أدنى مستويات الأمة 


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م