الأربعاء، 27 يونيو 2012

كتاب في حلقات : باب الرجاء : الحلقة الثالثة


 كتاب في حلقات :
                   كتاب باب الرجاء 
 "هل كانت ظرفية السجن مانعا لهذه الشخصية 
العالمة بعلم الله اسرار الخفيات من دراية ومعرفة حال الامة 
 هل كانت جدران السجن تحجب علمه بمصير السجان
 الذي ذهب الى بيته حيث الحرية مقيدا بجهل مايكون له غدا .."
الحلقة الثالثة :

الاسلوب القراني مع الدعاة الى الله 
الداعية سواء كان نبيا او وليا او عبدا صالحا يتحركون في عنوان الدعوة الى الله والسعي الكادح من اجل ابلاغ البشرية الانذار والبشارة وتفاصيل كل منهما في سلّة من شرائع الاحكام الالهية ..كان الاسلوب القراني يتعامل معهم بحزم دون اي مرونة في مسائل العقائد والاحكام حتى ذهب العديد من مفسري المسلمين الى نفي العصمة عن الانبياء عليهم السلام كما نرى في هذه الايات الكريمة كعينة مختارة (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (طه 121) عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) (الايات من سورة عبس) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (الفتح 2) ) لا اريد الدخول في هذا الصراع على العقائد وهي واضحة لاننا لسنا بصدده هنا كما انه لايستوجب كل هذا التحشيد لاننا وببساطة اذا آمنا بأن الانبياء مثلنا من حيث عدم عصمتهم من الذنوب وعلي رأي بعضهم عدم عصمتهم من الكبائر وعلى رأي ثالث انهم معصومون فقط في التبليغ فأنهم وامام مسجد في أقصى الريف متساوون في الدرجة .. هذا الشطط في التعدي على كرامة الانبياء جاء لان بعض المفسرين لم يفهم الاسلوب القراني كوعي منتشر في كل الايات ومنسجم مع الامثال والقصص والبلاغيات المتعددة على ظاهر النص . الاسلوب القراني ينظر الى الدعاة على انهم شخصية امتهم الراشدة والتي تحاسب وتلام وتؤمر وتنهى اولا قبل قاعدة الامة التي تأتمر بهولاء الدعاة ..القران يجعلهم في طليعة الخطاب ثم ينزل مراده ومفاده منهم الى الامة مرشحا بعد ان يتلقى النبي او الولي الكليات الكبرى للخطاب فيعمل على انزالها تفصيلات تنزيلية كل بقدر عقله وادراكه لا اعني كما ذهب بعضهم الى التصوير بما يوهم ان الانبياء يجزئون الحقيقة والشريعة بحسب عقول الناس وهو مردود وسلبي بل يضعون كل شي في موضعه فهناك صورة كبيرة لشخص ما تناسب الاماكن العامة ومعها صورة صغيرة جدا تناسب وضعها في ورقة المعاملة الرسمية لكنهما اي الصورتين لهما نفس الخصائص والمضمون لكنهما اختلفا في الحجم فقط وهو طارئ على الذات ، فالمعاني الثقيلة للراسخين في العلم والمعرفة وهكذا الاعلم فالاعلم الاتقى فالاتقى الاورع فالاورع بشكل متجانس ..
الاسلوب القراني يريد ان يعزز فكرة مهمة ان الصفوة من الانبياء والاولياء ونحوهم يتحركون في فلك المشيئة الالهية ليس لهم ارادة مع ارادته ولا امر مع امره ولانهي مع نهيه ليس لهم استقلال في حرف مفهوم دون نية القربى الى خالقهم وذلك فهم يحاسبون في الخطاب القراني على الامة العاصية يحاسبون على المجتمعات الهزيلة دينا وعقيدة في مراحل هدايتهم دون مصيرهم -اي مصير الامم المنحرفة - واصرارهم على الغيّ .
 القران في مضمونه الكبير المتدفق لايمسًّه المتسكعون في الشوارع ولا يفهمه اليساري او اليميني ولا من يتلاعب بالالفاظ من اجل حفنة دنانير ولا اهل الجدل والمراء اليوناني والاغريقي واتباع مدارسهم .. القران لايسمه الا الانبياء والاولياء في مضامينه العالية في تاويله وتفسيره وبيان مرادات الحكيم منه القران ليس كتاب مطالعة او مراجعة او فكر .. القران كون كامل فيه كل ذكرنا الى يوم القيامة القران يساوي الانسان الكامل كما ورد عن امير المؤمنين في معركة صفين بخطاب له امام فتنة رفع المصاحف على رؤوس الرماح  ) هذا القرآن الصامت وأنا القرآن الناطق  ( هذه دلالات لايفسرها الحرف بالحرف بل يكشف لثامها القلب والعقل ... اخلاقيتنا الاخيرة من الحلقة الماضية متصلة بهذا الموضوع اتصالا عضويا وهي ان الظروف مكمل اساس لدعوة الصفوة فلا تعارض مطلقا بينها وبين باقي الظروف الا ان العقول مقيدة باختيارها في بيئتها فلا تبرح تفكر في الظروف وقاهريتها ..فمثلا هل منع السجن يوسف من تبليغ رسالته بل نجده تسنم المناصب العليا من خلال رحلة السجن الهادفة ثم هل منعت غيبة موسى عليه السلام من دعوته بل كانت له حظوة بعدها ، الظروف مانعيتها لمن يؤمن بها ولا سلطان لها على من ايقن السبب من المسبب والمسبب هو الله وحده فامن به موقنا اشد درجات اليقين وهنا قصة تفي بسياق مانحن  قال إسحاق بن عمّار : لمّا حبس هارون أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) ، دخل عليه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد أمرين : إمّا أن نساويه وإمّا أن نشاكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكّلاً به من قبل السندي بن شاهك ، فقال : إنّ نوبتي قد انقضت ، وأنا على الانصراف ، فإنّ كانت لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها في الوقت ، الذي تلحقني النوبة .
فقال له : ( ما لي حاجة ) ، فلمّا أن خرج قال ( عليه السلام ) لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن : ( ما أعجب هذا ، يسألني أن أكلّفه حاجة من حوائجي ليرجع ، وهو ميت في هذه الليلة ) ، قال : فغمز أبو يوسف محمّد بن الحسن للقيام ، فقاما فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة ، وهو الآن جاء بشيء آخر ، كأنّه من علم الغيب .
ثمّ بعثا برجل مع الرجل ، فقالا : اذهب حتّى تلزمه وتنتظر ما يكون من أمره في هذه الليلة ، وتأتينا بخبره من الغد ، فمضى الرجل ، فنام في مسجد عند باب داره ، فلمّا أصبح سمع الواعية ، ورأى الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علّة .
فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمّد ، وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن ( عليه السلام ) ، فقالا : قد علمنا أنّك قد أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك ، أنّه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) ، فلمّا أورد عليهما هذا ، بقيا لا يحيران جواباً . )
هل كانت ظرفية السجن مانعا لهذه الشخصية العالمة بعلم الله اسرار الخفيات من دراية ومعرفة حال الامة هل كانت جدران السجن تحجب علمه بمصير السجان الذي ذهب الى بيته حيث الحرية مقيدا بجهل مايكون له غدا ..
نكمل الحلقة في الحلقة الرابعة بأذن الله تعالى  ماتبقى من محاور الحلقة الثانية والثالثة ...



1 التعليقات:

د الحلي يقول...

رائع

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م