الجمعة، 8 يونيو 2012

كتاب في حلقات : الحلقة الاولى





كتاب في حلقات : السيدة الزهراء بين الاخبار والاسرار : 
الحلقة الاولى :
 اثير الخاقاني



 السلام على الزهراء البتول فخر المسلمين والمسلمات في شرق الارض وغربها بضعة رسول الله صلى الله عليه واله كلها خير وبركة فهي فاطم فطمت شيعتها عن النار وهي البتول التي انقطعت الى ربها فلم تر لشي قيمة مع الله سبحانه وهي المحدثة التي كرمها الله سبحانه بان الملائكة جاءت اليها تحدثها بماكان وبمايكون وهي الصديقة التي ماقارفت الذنب صادقة في قولها وفعلها وحالها وسرها ،وهي مجمع المكارم وخزانى الاسرار الالهية وهي سر الامامة المستودع فيها سلام الله عليها ...

      
        الحديث عن الزهراء عليها السلام صعب من جهتين متعاكستين في الاتجاه والشعور جهة المنزلة والقيمة والمستوى وهي صعبة لان الذي يصف الزهراء لابد ان يكون قريبا من خصائصها ومن يكون هذا ؟ لابد ان يصفها النبي الاكرم صلى الله عليه واله او زوجها سيد الاوصياء علي بن ابي طالب عليه السلام او احد ذريتها من الائمة المعصومين عليهم السلام وعلى هذا فمايصلنا هو الذي به نتعرف على الصديقة الزهراء وبخلاف هذا فانها من الاسرار الربانية ..والجهة الاخرى هي ماساتها عليها السلام والتي ماوقعت لامراة من بسطاء القوم في صدر الاسلام فقد تجاوزت الامة المعتدية عليها كل حدود الاحترام والقداسة وعظيم القدر والمنزلة ونسوا ان الله سبحانه قد جعلها اجر النبي على الامة (  قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) الشورى23
فمن يود الزهراء فقد ادى حق النبي صلى الله عليه وهو حق الله سبحانه في النهاية .
وغريب امر الامة في زمن الزهراء عليها السلام فمعظمهم كان يرى كيف ان النبي الاكرم صلى الله عليه واله كان يقف على باب الزهراء عليه السلام صباحا ومساءا قبل ان يسافر او ينازل وهي اول من يلقاه عائدا وبيتها اول البيوت تشرفا به صلى الله عليه واله ..ثم تطلب الزهراء من هولاء من يشهد لها او ينصرها فلا تجد ؟!
ثم الهجوم العنيف القبلي على بيتها وبكل فضاضة باعتراف المهاجمين كما سياتي في اثناء البحث انشاء الله تعالى والاعتداء عليها بالضرب واسقاط جنينها المحسن عليه السلام واقتياد امير المؤمنين عليه السلام امام اهل بيته كلها شواهد على ان بعض شراح الامة او غالبيتها تراجع الحس الاسلامي عندها الى ادنى مستوياته ووصل الكثير الى نتيجة ان التعبد بسياسة الاقوى والموجود هو الدين !!
ان هاتين النتيجتين او الجهتين تجعلان من الباحث يتيه في معترك المطالب الشامخة التي لاينالها الا بمعونة الفهم الدقيق لماورد عن ال البيت في حق الزهراء عليها السلام وهو لايتاتي الا بمن عقل عنهم وسلم لامرهم وهو الايمان وليس هذا بالسهل الا على شيعتهم من يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم ..وصعوبة الباحث في تحليل هذا السؤال لماذا تظلم الزهراء هكذا ؟ او تحليل ان تضرب اشرف امراة في تاريخ البلاد العربية والاسلامية وتموت بعد هذا الامر !! ربما لم يتقبل البعض وشكك في النصوص رغم صراحتها وما لبنصوص من عيب ولكن الحديث جلل ولايستوعبه الا من تحلى بصبر جميل لان مصائب العترة تفتت المرء الهين ولايرقى لتحملها الا المؤمن الصادق .. ونحن هنا في هذا البحث نجمع ماورد عن اهل البيت عليهم السلام ونبوب المواضيع ثم نسلم لكل ماورد صحيحا اتفقت الطائفة الامامية بعلمائها الابرار واملنا ان ينفتح الجيل الجديد على الزهراء عليها السلام تلك المراة العظيمة التي مثلت اقصى دور للام واقصى دور للزوجة واقصى دور للشابة المؤمنة العفيفة النقية واقصى دور للعالمة والفقيه واقصى دور للعابدة البتول واقصى دور للمجاهدة في الله وفي سبيل الله تعالى اعطت الزهراء كل ماعليها للامة وبينت والواجب الملقى على كل كاتب وباحث ان يعرف بالزهراء ويبين مظلوميتها لان مظالم الزهراء شرط اساس في معرفتها لانها هي التي غيرت مجرى التاريخ لتصبح الزهراء خفية القبر كماخفي عنا كثير من عطائها اذ عجلت الامة القاسية بها الى الرحيل وهي بعمر مبكر لم يزل المجتمع بحاجة الى عطائها الخالد ..
كان من الضروري بيان فضل الزهراء في كتاب الله سبحانه اولا حتى يظهر فضلها من اصدق واعظم مصدر للمسلمين لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم بيان اخلاقها وسلوكها ومعشرها وزواجها وعلمها ومظلوميتها وفضلها في كتب المذاهب الاخرى مع جملة من الكرامات للسيدة البتول عليها السلام مع باقة من اشعار العلماء والادباء في حقها عليها السلام ...
ويبقى الامل متوقدا ان تشملني الحبيبة الام الكبيرة السيدة الطاهرة مولاتنا الزهراء سلام الله عليها بفاطميتها عن عذاب النار وخزي يؤمئذ ..









فاطمة الزهراء في القران الكريم

 وهنا نبذة من الايات الواردة في حق البتول الطاهرة عليها السلام نبدأ بآية التطهير وهي اية مشتركة بين الزهراء واهل بيتها ...

آية ( التَّطهِير )
آية ( التَّطهِير ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً ) الأحزاب : 33 .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يَمُرُّ على دار فاطمة عليه السلام صباح كل يوم عند خروجه إلى المسجد للصلاة ، فيأخذُ بِعُضَادَةِ الباب قائلاً : ( السَّلامُ عَليكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُّبُوَّة ) ، ثم يقول هذه الآية المباركة
جاء تفسير هذه الاية في اهل البيت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في المصادر التالية لحاكم الحسكاني في " شواهد التنزيل، ج 2 ص 10. إلى 192 بعدة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 198 بطرق، وكذا الطحاوي في مشكل الآثار ج 1 ص 332 إلى 238، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 121 و 146 و 169 و 172 وأحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 230 ج 4 ص 107، وابن حجر في الصواعق ص 85، والطبري في تفسيره ج 22 ص 5 و 6 و 7، وابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 29، والنسائي في خصائصه ص 4.
وكفاك هذا برهانا على أنهم أفضل من في الأرض يومئذ، ولم يكون غيرهم حائزا على هذه الفضيلة الإلهية، لا من بني عبد المطلب (كما اعترف ابن عباس من أنها نزلت في أصحاب الكساء) ولا من أمهات المؤمنين من أزواج النبي صلى الله عليه وآله، بدليلين واضحين.
الأول: إعلامهن بأن الله لم يرزقهن هذه الفضيلة الكبرى.. قالت أم سلمة: قلت: وأنا معهم يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟،، قال: إنك على خير، وهؤلاء أهل بيتي، إنك من أزواج النبي. وفي رواية عمرة الهمدانية، كما في مشكل الآثار ج 1 ص 336:
قالت أم سلمة: فوددت أنه قال نعم، فكان أحب إلي مما تطلع الشمس وتغرب (راجع ما قدمناه آنفا من المصادر، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 416، وسنن البيهقي ج 2 ص 150، وتاريخ بغداد ج 9 ص 126، وذخائر العقبى ص 21 وغيرها.
 

آية ( المُبَاهَلَة )
آية ( المُبَاهَلَة ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) آل عمران : 61 .
وقد نزلت حينما جاءَ وفد نَجْرَان إلى النبي صلى الله عليه واله لِيتحدَّثَ معه حول عِيسى عليه السلام ، فقرأ النبي صلى الله عليه واله عليهم الآية التالية :
( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران : 59 .
فلم يقتنع النصارى بذلك ، وكانت عقيدتهم فيه أنه عليه السلام ابنُ الله ، فاعترضوا على النبي صلى الله عليه واله ، فنزلت آية المُبَاهلة .
وهي أن يَتَبَاهَلَ الفريقان إلى الله تعالى ، وَيَدعُوَانِ اللهَ تعالى أن يُنزل عذابَهُ وغضبَه على الفريق المُبطِل منهما ، واتفقا على الغد كيوم للمباهلة .
ثم تَحاوَرَ أعضاءُ الوفد بعضهم مع بعض ، فقال كبيرهم الأسقف : إنْ غَداً جَاء بِوَلَدِهِ وأهل بيته فلا تُبَاهلوه ، وإِن جَاء بغيرهم فافعلوا .
فَغَدَا الرسول الأكرم صلى الله عليه واله مُحتَضِناً الحسين عليه السلام ، آخذاً الحسن عليه السلام بيده ، وفاطمة عليه السلام تمشي خلفه ، وعليٌّ عليه السلام خَلفَها .
ثم جثى النبي صلى الله عليه واله قائلاً لهم : ( إذا دَعَوتُ فَأَمِّنُوا ) ، أما النَّصارى فرجعوا إلى أسقَفِهِم فقالوا : ماذا ترى ؟
قال : أرى وجوهاً لو سُئِل اللهُ بِها أن يُزيلَ جَبَلاً مِن مكانِهِ لأَزَالَهُ .
فخافوا وقالوا للنبي صلى الله عليه واله: يا أبا القاسم ، أقِلنَا أقال الله عثرتَك .
فَصَالَحُوهُ صلى الله عليه واله على أن يدفعوا له الجِزية .
فهذه الصورةٌ تحكي عن حدث تاريخي يَتبَيَّن من خلالهِ عَظمة فاطمة الزهراء ، وأهل بيتها عليه السلام ، ومنازلهم العالية عند الله تعالى
مصادر الآية الشريفة هي :
ان الآية المباركة نزلت في شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن خرج معه, وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) فقط دون غيرهم, هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم كما ورد هذا المعنى في كتب اهل السنة, منها :
(1) صحيح مسلم : 7/12 .
(2) مسند أحمد : 1/185.
(3) صحيح الترمذي : 5/596.
(4) خصائص أمير المؤمنين : 48.
(5) المستدرك على الصحيحين : 3/15 .
(6) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : 7/6 .
(7) المرقاة في شرح المشكاة : 5/589.
(8) احكام القرآن للجصاص : 2/16.
(9) تفسير الطبري : 3/212.
(1 ) تفسير ابن كثير : 1/319.
(11) الدر المنثور : 2/38.
(12) الكامل في التاريخ : 2/293.
(13) أسد الغابة : 4/26.

سورة ( الكَوثَر )
سورة ( الكَوثَر ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) .
فالأبتر هو المنقطع نَسلُه ، وقد استفاضت الروايات في أن هذه السورة إنما نَزَلَتْ رداً على من عاب النبي صلى الله عليه واله بالبتر ( أي عدم الأولاد ) بعد ما مات أبناء الرسول صلى الله عليه واله ، وهم : القاسم ، وعبد الله .
وقصة هذه السورة هي : أن العاص بن وائل السهمي كان قد دخل المسجد بينما كان النبي صلى الله عليه واله خارجاً منه ، فالتقَيَا عند باب بني سَهْم ، فَتَحَدَّثَا .
ثم دخل العاص إلى المسجد ، فسأله رجال من قريش ، كانوا في المسجد : مع من كنت تتحدث ؟
فقال : مع ذلك الأبتر .
فنزلت سورة الكوثر على النبي صلى الله عليه واله ، فالمراد من الكوثر هو : الخير الكثير ، والمراد من الخير الكثير : كَثرَة الذُّرِّيَّة ، لِمَا في ذلك من تَطْييبٍ لِنَفْسِ النبي صلى الله عليه واله.
وَرُوِيَ أنه صلى الله عليه واله قال لخديجة قبل ولادة فاطمة عليها السلام :
( هَذا جِبرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّها أُنثَى ، وأَنَّهَا النَّسلَةُ ، الطاهرةُ ، المَيْمُونَةُ ، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل نَسلِي مِنها ، وسيجعل مِن نَسْلِهَا أئمة ، ويجعلُهُم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه )
 . أخرج أصحاب العديد من التفاسير نزول هذه السورة بشأن فاطمة الزهراء بنت الرسول سلام الله عليه وعليها وإليك عدداً منهم:
منهم البيضاوي في تفسيره، عند تفسير كلمة:«الكوثر» قال:
«وقيل: أولاده»أنوار التنزيل وأسرار التأويل/مخطوط/ص1156.
ومنهم الفخر الرازي، في تفسيره الكبير، قال:
«الكوثر أولاده صلى الله عليه وسلم لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعني: أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأبه» التفسير الكبير/ج30/تفسير سورة الكوثر.
ومنهم الشيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي عند تفسير سورة الكوثر قال: «إن المفسرين ذكروا في تفسير الكوثر أقوالاً كثيرة منها: إن المراد بالكوثر: أولاده عليه السلام، ويدل عليه أن هذه السورة نزلت رداً على من قال في حقه (عليه السلام): إنه أبتر ليس من يقوم مقامه» ج9ص341.
ومنهم: شهاب الدين في حاشيته على تفسير البيضاوي حاشية الشهاب المسماة بـ(عناية القاضي) ص402.
ومنهم: عثمان بن حسن المشتهر بـ(كوسة زادة) في كتاب له في تفسير بعض آيات من القرآن أسماه بـ(المجالس). المجالس لكوسة زاده ص222.
ومنهم العلامة أبو بكر الحضري في كتابه (القول الفصل). القول الفصل ص457.


سورة الدهر - الإنسان
آية ( الإِطعَام ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) الإنسان : 8 - 9 .)
وقصتها كما في تفسير الكشاف للزمخشري عن ابن عباس : أن الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام مَرِضَا ، فعادهما رسول الله صلى الله عليه واله في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نَذرتَ على ولديك .
فَنَذَر عَليٌّ وفاطمةُ وجَارِيَتُهُما فِضَّة عليهم السلام إن برءا عليهم السلام مما بِهِما أن يَصومُوا ثلاثة أيام .
فَشُفِيَا عليهم السلام وما معهم شيء .
فاستقرض عليٌّ عليه السلام من شَمْعُون الخيبري اليهودي ثلاث أَصْوُعٍ من شعير ، فَطحنت فاطمة عليهم السلام صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم .
فوضعوها بين أيديهم لِيُفطِرُوا ، فَوقَفَ عليهم ( مِسكين ) وقال :
السَّلام عليكم يا أهلَ بيتِ محمدٍ ، مِسكينٌ مِن مَساكِين المُسلمين ، أطعِمُونِي أطعمكمُ اللهُ من موائد الجنة ، فآثروه عليهم السلام وباتوا لم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا صياماً .
فلما أمْسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم ( يَتِيم ) ، فآثروه عليهم السلام.
ووقف عليهم ( أسيرٌ ) في الثالثة ، ففعلوا عليهم السلام مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذَ علي بيد الحسن والحسين ، وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفِرَاخ مِن شِدَّة الجوع قال صلى الله عليه واله: مَا أشد مَا يَسُوؤُنِي ما أرى بكم .
فانطلق صلى الله عليه واله معهم ، فرأى فاطمة عليها السلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه صلى الله عليه واله ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد ، هَنَّأَكَ اللهُ في أهل بيتك ، فَأقرَأَهُ السورة .
وفي هذه السورة – أي : سورة الإنسان ، أو : سورة هَلْ أَتَى– نكتة رائعة جداً ، وقد ذكرها الزمخشري في تفسيره الكشاف ، عند تفسيره لهذه السورة قال :
( إنَّ الله تعالى قد أنزلَ ( هَلْ أَتَى ) في أهلِ البيت عليهم السلام ، وَلَيس شَيءٌ مِن نعيم الجَنَّةِ إِلاَّ وَذُكِرَ فيها ، إِلاَّ ( الحُور العِين ) ، وذلك إِجلالاً لفاطمة عليها السلام ) .
فهذا هو إبداع القرآن الكريم ، وهذه هي بلاغته والتفاتاته ، وهذه هي عظمة فاطمة الزهراء عليها السلام عند ربها العظيم .
مصادر الآية من تفاسير المسلمين :

جاء في تفسير الزمخشري: عن ابن عباس إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ناس معه، فقالوا:

يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة، عليهما السلام - وفضة جارية لهما - إن برآ مما بهما، أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا، وما معهم شئ، فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطرزت فاطمة صاعا، واختبزت خمسة أقراص، على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني، أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا، إلا الماء، وأصبحوا صياما، فلما أمسوا، ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ثم وقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ علي، رضي الله عنه، الحسن والحسين، وأقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها، قد التصق ظهرها ببطنها،
وغارت عيناها، فساءه ذلك، فأنزل الله جبريل، وقال: يا محمد، هنأك الله في أهل بيتك، فاقرأ السورة(1).

وروى الواحدي في أسباب النزول في قوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا "

قال: قال عطاء عن ابن عباس: وذلك أن علي بن أبي طالب أجر نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير ليلة، حتى أصبح، وقبض الشعير، وطحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له: (الخزيرة)، فلما تم إنضاجه، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه، وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيهم هذه الآية(2).

وروى ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة (فضة) النوبية - جارية فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - بسنده عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: في قول الله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). قال:
مرض الحسن والحسين، فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك نذرا، فقال علي: إن برآ مما بهما، صمت لله عز وجل ثلاثة أيام شكرا، وقالت فاطمة كذلك، وقالت جارية يقال لها فضة نوبية: إن برأ سيداي، صمت الله عز وجل شكرا، فألبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي إلى شمعون الخيبري، فاستقرض منه ثلاثة آصع من شعير، فجاء بها فوضعها، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من أولاد المسلمين، أطعموني أطعمكم الله عز وجل، على موائد الجنة، فسمعه علي، فأمرهم فأعطوه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم، لم يذوقوا، إلا الماء, فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة
إلى صاع وخبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم يتيم فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم بالباب من أولاد المهاجرين، استشهد والدي، أطعموني، فأعطوه الطعام، فمكثوا يومين لم يذوقوا، إلا الماء فلما كان اليوم الثالث، قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته، فصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير، فوقف بالباب وقال: السلام عليكم أهل بيت النبوة، تأسروننا، وتشدوننا، ولا تطعموننا، أطعموني فإني أسير، فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلا الماء، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى ما بهم من الجوع، فأنزل الله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) - إلى قوله تعالى: (لا نريد منهم جزاء ولا شكورا)(3)

.
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال: أجر علي نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير ليلة حتى أصبح، فلما أصبح قبض الشعير فطحن منه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له (الخزيرة) (دقيق بلا دهن)، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل، فأطعموه إياه، ثم صنعوا الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه، ثم صنعوا الثلث الثالث، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه إياه وطووا يومهم، فنزلت(4). وفي نور الأبصار: أن عبد الله بن العباس قال في قول الله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا)
مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما، وهما صبيان، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك نذرا، فقال علي: إن برآ مما بهما صمت لله عز وجل ثلاثة أيام شكرا، قالت فاطمة: وأنا أيضا أصوم ثلاثة شكرا، وقال الصبيان: ونحن نصوم ثلاثة أيام، وقالت جاريتهما فضة: وأنا أصوم ثلاثة أيام شكرا، فألبسهما الله العافية، فأصبحوا
صياما، وليس عندهم طعاما فانطلق علي إلى جار له من اليهود - يقال له شمعون - يعالج الصوف، وقال له: هل لك أن يعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة آصع من شعير، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت، ثم غزلت ثلث الصوف، وأخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص لكل واحد قرص وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى منزله فوضع الخوان فجلسوا، فأول لقمة كسرها علي رضي الله عنه، إذا مسكين واقف على الباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع علي رضي الله عن، اللقمة من يده، ثم قال:

فاطمة ذات المجد واليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين
أما تري ذا البائس المسكين *** جاء إلى الباب له حنين


.....
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضمها إليه، وقال: واغوثاه، فهبط جبريل ، وقال: يا محمد، خذ ضيافة أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبريل، قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) - إلى قوله تعالى: (وكان سعيكم مشكورا). وروى السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) - الآية - قال: نزلت في علي بن أبي طالب ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد جاءت القصة في تفسير القرطبي مطولة.وألف المرحوم الشيخ عبد الله السبيتي كتابا بعنوان المباهلة ط في النجف قصة الاطعام قوله تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - إلى قوله - إنهذه الآيات نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسين هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام وتصدقهم في تلك الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير.

____________

1-
تفسير الكشاف 2 / 511 - 512.
2-
أسباب النزول ص 296.
3-
أسد الغابة 7 / 236 - 237.
4-
الرياض النضرة 2 / 302 - 303 ورواه المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 102.

وقد أكدت ذلك الكثير من مصادر التفسير
ومنها
1 -
تفسير الخازن .
2 - 
كِفايَة الطالِب ) للكنجي الشافِعي .
3 - 
تذكِرة الخَوَاص ) لابن الجُوزي .
4 - 
العقد الفريد ) لابن عبد ربه .
5
مَجمَع البَيَان ) للطَبرسي ، وغيرها .






0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م