الثلاثاء، 8 مايو 2012

محمد باقر الصدر واستصحاب الثورة الحسينية

محمد باقر الصدر واستصحاب الثورة الحسينية
                                                                               



                  


اثير الخاقاني
من الإنصاف أن لا يدمج محمد باقر الصدر في قافلة شهداء العراق التي رحلت بسيف البعث وهي قافلة حافلة بالعطاء لاننا امام رجل كان شهيد إرهاصات التاريخ الطويل وما رصاصات ذلك المقبور إلا نتائج جاءت متأخرة على شهادة سابقة للرصاص والتعذيب نالها من شخوص المشهد التاريخي لمسرحية الحق والباطل ..عبر لنا الصدر تعبيرا نافذا لمجريات ثورة جده الامام الحسين  فأتقنها بحجمه لابحجمها الهائل ولكنه جسّد ملامحها بصورة اقرب الى واقع كربلاء ويمكن ان نتصور هذه النافذه المشرفة من خلال هذه المستويات :

المستوى العلمي :
أبدع محمد باقر الصدر في مجالات علمية وفكرية بعيدة عن واقع الحوزة العلمية ومقررات المنهج الدراسي والتدريسي في آن واحد زاحفا باتجاه العمق الفكري العالمي (الرأسمالي ، والماركسي ) ثم انعطف باتجاه الفكر العربي بصعوده ونزوله ..لاعبا الدور النقدي الموضوعي تارة ودور المواجه بلا هوادة الى حدود إعلان الحرب المعلنة . وما هذا المنازلات الفكرية الاّ جزء من إثبات الهوية الفكرية للمسلم الرسالي الذي غدا في المدين الشيوعي والرأسمالي كيانا أجوفا بلا معنى الا من صفير يخرج من هبوب الريح .

المستوى العملي :
لم يقدم الصدر خارقا في نزوله للجماهير بل كان على منوال سلكه قبله رعيل كبير من نماذج خرجها الإسلام بانفتاحه الواسع على الحياة ، الا ان عنصر الإعجاز _ان جاز لنا التعبير _ هو في قدرته الفائقة على صنع المقدمات والصمود عليها دون ان يرى للنتائج أي بصيص في حينه .هذا التقييم يعرفه من عاش حقبة السبعينات من القرن المنصرم هل كان يتوقع احد ان الدم المهراق من الصدر وهو مضافا الى نظرياته وأفكاره وطروحاته وهذا بمجموعه مقدمات لسلامة الإسلام من خطر محدق به اسمه البعث او أي مسمى يأتي آخر.. أقول هل كان بالحسبان ان يعد مقدمات الصدر عقلانية تاتي ثمارها..معظم الكتاب الذين بحثوا في نهضة الصدر لم يركزوا على ان الصدر جمع في حيويته الثورية صمودا صوفيا او عرفانيا على أي منهما لتحقيق النتائج فالصبر الذي قابل به الهزات السياسية والاستخبارية والأمنية لسحب القناعة بمقدماته التي فرضها عقلانية لاتقبل الجدل " البعث حزب كافر " دون ان يضع أي حسابات للعودة عن ذلك دون أي تراجع الى المتغيرات فقد يتغير الكافر الى موحد في قابل الايام ..ان حسمه لهذا الصراع هو الذي أزال الجدل عن الافق المنظور للبعث منذ لحظة الصدام بين الصدر وهذا الحزب برموزه رموز الجريمة في سلسلة الأحداث ، ان ذلك الصبر أعطى للصدر كمفكر وكفقيه وثائر فرصة للنظر من خلف الأسوار الى المستقبل القريب والبعيد
ولذا جاءت كلمته الى ابنته في لحظة حرجة من لحظات الوداع " ابنتي سينتهي البعث ولو بعد عشرين عاما "
  
الصدر عالج أمراض الأمة :
كان ولازال المجتمع العربي والعراقي بالذات يعاني فصاما عنيفا بين الذات والواقع على ساحة الأحداث ومن هنا نرى الشعارات تحتل رصيدها من الواقع أكثر مما في أعماق الذات العربية العراقية تحديدا المشكلة المركبة في الداخل للفرد العراقي هي في نقطتين هما :
•1.   الشك المستمر في أي عملية إصلاح بما في ذلك المصلح نفسه مهما كان دوره ولونه وشخصه وبيئته .
•2.  التخوف المتأصل من السلطان وهو خوف متراكم حتى اصبح مسيطرا في اللاوعي في كل كينونة المجتمع العراقي فهو يخاف من الصديق ومن البقال ومن العالم ومن الغريب ومن كل شي وهذا قد تبرره شدة الضغط الأمني في أوائل مسيرة البعث والبعثيين وهي نسخة ماخوذة من الأمن المصري في عهد جمال عبد الناصر وابطال القبضة الحديدية شمس البدران وصلاح نصر والمشير عبد الحكيم عامر ثلاثية الرعب في المجتمع المصري وقد سجل التاريخ المصري هذا الرعب حتى وصل الى مستوى الاسطورة !!
ويعد سيد قطب الذي قضى في سجن المباحث على أعواد المشانق مجردا الأمن المصري من محتواه ومن هالة الرعب حتى جاءت النكسة لتضع علامة الاستفهام أمام دور الأمن الحقيقي هل هو لاعدام سيد قطب ام للدفاع عن مصر من جواسيس مناحيم بيكن وساسة اسرائيل العدو الاساس في المعركة بين الاثنين . جاء دور محمد باقر الصدر وهو لايقل عن سيد قطب في المعاناة من الهاجس الامني إلاّ انه اختلف عن سيد قطب في انفتاحه في كتاباته وافكاره وما ألقاه في تلامذته من حب الآخر مهما كان اذا سار معك في تحقيق غاية واحدة ولذا جاء شعاره :اليك ايها السني اليك ايها الشيعي ..اليك ايها العربي اليك ايها الكردي وهكذا نراه يطوق ازمته ولايجعل منها بابا الى جر التاويلات من بعده مثلما حصل مع سيد قطب فقد كتب محنته بأسلوب تعددت تأويلات خطابه فيه فوصف بانه امير جماعات التكفير مرة والمجني عليه من نظام ناصر ومن قرائه مرات ..جرد محمد باقر الصدر النظام البعثي من كل مسوغات بقائه قويا بمبادئه التي نادى بها وحاربه بذات الشعارات حتى غدا الاثنين كاجتماع النقيضين فلا البعث يستمر في حكمه مع الصدر ولا الأخير يحتمل ختل ودجل الأول .
  
الهوية والبحث عن الذات :
سُجل للصدر انه جمع الذات والهوية العراقية الضائعة في متاهات السياسة المدمجة بواقع الحياة والتي كان من الصعب كشفها واستئصالها لان الفرد كان يعد الحزبية او الجهة التي ينتمي اليها جزءا من شخصيته ولازال هذا الأمر لكنه مخففا بفعل التعددية وبالتالي تكونت في المجتمع عدة إرادات متصارعة واجهت البعث والصدر كلاهما وسلاح البعث كان مباشرا ومعروفا وهو القمع والضرب من يد من حديد في حين واجه الصدر هذه الإرادات بإرادة واحدة منفتحة محتوية شفافة ، ماهي هذه الإرادة انها إرادة مشابه لتلك الإرادة التي شحن بها الإمام الحسين مجتمعه مع فارق الحجم بين الحسين والصدر قطعا انها ارادة التضحية بالنفس من اجل المجتمع من اجل يقضته ونهضته وسلامته من الفكر الذي لايليق به ومن الحكم التعسفي الذي يناسب الغابة بل دونها كثيرا ..لقد استسهل الصدر كجده الموت وهو الخوف الذي ينتهي عنده أي خوف فاذا شاهد المجتمع ان فرد ما .. يقدم على الموت من اجلهم فان جميع مخاوفهم تزول لانه أزال أعظم خوف عنهم وهو خوف الموت تأمل في حركة الإمام الحسين عليه السلام حينما قرر السفر من المدينة إلى مكة أو في النهاية حينما قرر الهجرة من الحجاز متجها إلى العراق إلى تسلم مسؤولياته كشخص ثائر حاكم على طواغيت بني أمية كان يتلقى من كل صوب وحدب النصائح من عقلاء المسلمين أو من يسمون يومئذ بعقلاء المسلمين الذين يؤثرون التعقل على التهور كيف ان هؤلاء العقلاء أجمعت كلمتهم على ان هذا التصرف من الإمام الحسين عليه السلام ليس تصرفا طبيعيا كانوا يخوفونه بالموت كانوا يقولون له : كيف تثور على بني أمية وبنو أمية بيدهم السلطان والرجال والمال وكل وسائل الإغراء والترغيب والترهيب ؟ مع بني أمية والتي وصل إليها الإمام الحسين عليه السلام في صراعه مع بني أمية كانوا يمنون السلامة كانوا لا يتصورون ان التضحية يمكن ان تكون بديلا لحياة بالإمكان الاحتفاظ بها  مهما كانت هذه الأنفاس ومهما كانت ملابسات هذه الأنفاس هذه النصائح لم يتلقها الإمام الحسين عليه السلام من رعاع أو من عوام وإنما تلقاها من سادة المسلمين من الأشخاص الذين كان بيدهم الحل والعقد في المجتمع الإسلامي تلقاها من أشخاص من قبيل عبد الله بن عباس , وعبد الله ابن عمر بن الخطاب  وعبد الله بن جعفر الطيار ومن قبيل أخيه محمد بن الحنفية  ومن قبيل غيرهم من سادة الرأي في المجتمع الإسلامي حتى ان عبد الله بن جعفر الذي هو ابن عمه الذي هو ابن أخي علي ابن أبي طالب بالرغم من ارتباطه النسبي الوثيق بالخط كان منهارا نفسيا إلى الدرجة التي أرسل فيها رسالة إلى الإمام الحسين حينما سمع بعزمه على سرعة الخروج من مكة : ان انتظر حتى الحق بك وماذا كان يريد من هذا الانتظار ؟ الإمام الحسين لم ينتظره فحينما وصل عبد الله بن جعفر إلى مكة كان الإمام الشهيد قد خرج منها فذهب عبد الله بن جعفر رأسا إلى والي بني أمية في مكة واخذ منه كتاب الأمان للحسين وذهب بالكتاب إلى الحسين وهو يرى انه قد استطاع بهذا ان يقضي على كل مبررات خروج الحسين لماذا يخرج الحسين من مكة ؟ لأنه خائف فيها وقد جاء الأمان له من سلاطين بني أمية. هذه النصائح كانت تعبر عن نوع من الانهيار النفسي الكامل الذي شمل زعماء وسادة المسلمين فضلا عن الجماهير التي كانت تعيش هذا الانهيار مضاعفا في أخلاقها وسلوكها وأطماعها ورغباتها هذه السلبية والبرود المطلق الذي كان يواجهه الإمام الحسين أو تواجهه حركة الإمام الحسين بالرغم من قوة المثيرات هذا البرود المطلق في لحظات ترقب العطاء الحقيقي كان يعبر عن ذلك الانهيار النفسي على مختلف المستويات . (نص حديث للشهيد الصدر في محاضرة عن شهادة الامام الحسين عليه السلام )
الى جانب تلك الارادة التي حاولت قلع الخوف من عقول وقلوب المجتمع المنهار في إرادته وقيمه وحتى رغباته خط الاندفاع نحو التلبس بقيم السلطة والحاكم واخذ إرادته بعين الاعتبار حتى غدا المجتمع يتأله الحكومة والحاكم فهو يفعل ماشاء الرئيس فعله وينتهي عما نهى عنه ..ربما يعذر المجتمع عن الامتناع عن اظهار رغباته وافكاره خوفا من الحكم ولكنه غير معذور من انهياره النفسي لانها خسارة لن يعوضها ذهاب الحكم الظالم الا ان يغير المجتمع مافي نفسه وعملية التغيير النفسي من اصعب الصعوبات وتحتاج الى طاقات جبارة ..يستعرض  الصدر هذا الأمر تاريخيا وهو وان لم يبديه جليا منسحبا على مرحلته بانطباقية فريدة اذ يذكر ان (..عبيد الله بن زياد استطاع خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على أكثر تقدير بعد مقتل مسلم بن عقيل إلى أول المحرم ان يجند عشرات الألوف من أبناء هذا البلد الذي كان وما يزال إلى ذلك الوقت يحمل رسالة علي والولاء له جند من هذا البلد عشرات الآلاف واستجاب له مئات من الأشخاص الذين كانوا قد حاربوا مع الإمام علي في صفين وحاربوا مع الإمام علي في سائر مراحل جهاده استجاب له شخص من قبيل عمرو بن الحجاج ومن هو عمرو بن الحجاج ؟ هو من أولئك الذين اضطهدوا في سبيل الإمام علي عليه السلام من أولئك الذين عاشوا المحنة أيام زياد ولكنه لم يستطع ان يواصل المحنة طلق عقيدته قبل ان يصل إلى أخر الشوط لأنه شعر ان هذه العقيدة تكلف ثمنا غاليا وانه إذا طلقها أمكنه ان يشتري بدلا عنها دنيا واسعة هذا الشخص الذي رافق الإمام علي في جهاده انهار أخيرا وانتهت إرادته انتهت شخصيته كانسان مسلم يفكر في الإسلام عمرو بن الحجاج نفسه كلفه عمر بن سعد بأسوأ عمل يمكن ان يكلف به إنسان كلفه بالحيلولة دون سيد الشهداء والماء بقي واقفا على الماء يمنع ابن رسول الله والبقية الباقية من ثقل النبوة عن ان يشربوا من الماء واستجاب لذلك شبث بن ربعي ومن هو شبث بن ربعي ؟ هو الرجل الذي عاش مع جهاد أمير المؤمنين الرجل الذي كان يعي مدلول حرب صفين وكان يدرك ان الإمام علي عليه السلام في حرب صفين يمثل رسول الله صلى الله عليه واله في غزوة بدر ولكن الدنيا والانهيار النفسي و النفس القصير خنقه في النهاية فذاب وتميع واشتد تميعه بالتدريج إلى ان وصل إلى حد : ان عبيد الله بن زياد يبعث إليه ليقاتل الحسين ابن رسول الله فماذا يكون العذر ؟ ماذا يكون الجواب ؟ لا يملك ان يعتذر بعذر من الأعذار إلا ان يقول : (( أنا مريض )) كلمة باردة جدا على مستوى بروده النفسي عبيد الله بن زياد يبعث إليه رسول مرة أخرى ليقول له : المسالة حدية لا مرض في هذه الحالة اما ان تكون معنا واما ان تكون عدونا وبمجرد ان يتلقى هذه الرسالة ويعرف ان المسالة حدية يقوم شبث بن ربعي ويلبس ما كان يلبسه ثم يخرج متجها إلى عبيد الله بن زياد وهو يقول : لبيك هذه الاستجابات من هذا الطرف وذاك البرود وتلك السلبية من ذلك الطرف هم اكبر دليل على هذا المرض .

    مفارقة مذهلة : 
ويركز الصدر على مفارقة مذهلة في المجتمع الكوفي انذاك وهي باقية الى يوم الصدر ويومنا الحاضر وهي  التناقض الذي كان يوجد بين قلب الأمة وعواطف الأمة وعملها هذا التناقض الذي عبر عنه الفرزدق بقوله للإمام الحسين عليه السلام : ان قلوبهم معك وسيوفهم عليك لا ان جماعة قلوبهم معك وجماعة أخرى سيوفهم عليك بل الوحدات الثمانية في التناقض كلها محفوظة ولكن مع هذا لا تناقض لان هذا الشخص الذي لا يملك إرادته يمكن ان تتحرك يده على خلاف قلبه وعاطفته ولهذا كنا نراهم يبكون ويقتلون الحسين لأنهم يشعرون بأنهم بقتلهم للإمام الحسين عليه السلام يقتلون مجدهم يقتلون أخر أمالهم يقتلون البقية الباقية من تراث علي بن أبي طالب عليه السلام هذه البقية التي كان يعقد عليها كل الواعين من المسلمين الأمل في إعادة حياة الإسلام في إعادة الحياة إلى الإسلام كانوا يشعرون بأنهم يقتلون بهذا الأمل الوحيد الباقي للتخلص من الظلم القائم ولكنهم مع هذا الشعور لم يكونوا يستطيعون إلا ان يقفوا هذا الموقف ويقتلوا الإمام الحسين عليه السلام قتلوا الإمام الحسين وهم يبكون واسأل الله ان لا يجعلنا نقتل الإمام الحسين عليه السلام ونحن نبكي ان لا يجعلنا نقتل أهداف الحسين عليه السلام ونحن نبكي الإمام الحسين ليس إنسانا محدودا عاش من سنة كذا ومات من سنة كذا الإمام الحسين عليه السلام هو الإسلام ككل الإمام الحسين عليه السلام هو كل هذه الأهداف التي ضحى من اجلها هذا الإمام العظيم هذه الأهداف هي الإمام الحسين لأنها روحه وهي فكره وهي قلبه وهي عواطفه كل مضمون الإمام الحسين عليه السلام هي هذه الأهداف هي هذه القيم المتمثلة في الإسلام فكما ان أهل الكوفة كانوا يقتلون الحسين عليه السلام وهم يبكون فهناك خطر كبير في ان نمنى نحن بنفس المحنة ان نقتل الحسين عليه السلام ونحن نبكي يجب ان نشعر بأننا يجب ان لا نكون على الأقل قتلة للحسين ونحن باكون البكاء لا يعني إننا غير قاتلين للحسين عليه السلام لان البكاء لو كان وحده يعني ان الإنسان غير قاتل للحسين إذن لما كان عمر بن سعد قاتلا للحسين لان عمر بن سعد بنفسه بكى حينما مرت زينب عليها السلام في موكب السبايا في الضحايا حينما التفتت إلى أخيها حينما اتجهت إلى رسول الله صلى الله عليه واله تستنجده أو تستصرخه أو تخبره عن جثة الإمام الحسين عليه السلام وهي بالعراء عن السبايا وهم مشتتون عن الأطفال وهم مقيدون حينما أخبرت جدها صلى الله عليه واله بكل ذلك ضج القتلة كلهم بالبكاء (مقتل الحسين (ع) 404)  بكى السفاكون بكى هؤلاء الذين أوقعوا هذه المجازر بكوا بأنفسهم إذن فالبكاء وحده ليس
ضمانا العاطفة وحدها ليس ضمانا لإثبات ان هذا صاحب العاطفة هو لا يقف موقفا يقتل فيه الإمام الحسين عليه السلام أو يقتل فيه أهداف الإمام الحسين عليه السلام لا بد من امتحان لا بد من تأمل لا بد من تدبر لا بد من تعقل لكي نتأكد من إننا لسنا قتلة للإمام الحسين عليه السلام ومجرد إننا نحب الإمام الحسين عليه السلام مجرد إننا نزور الإمام الحسين عليه السلام مجرد إننا نبكي على الإمام الحسين عليه السلام مجرد إننا نمشي إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام كل هذا شيء عظيم شيء جديد شيء ممتاز شيء راجح لكن هذا الشيء الراجح لا يكفي ضمانا ودليلا لكي يثبت إننا لا نساهم في قتل الإمام الحسين عليه السلام لان بإمكان إنسان ان يقوم بكل هذا عاطفيا وفي نفس الوقت يساهم في قتل الإمام الحسين عليه السلام يجب ان نحاسب أنفسنا يجب ان نتأمل في سلوكنا يجب ان نعيش موقفنا بدرجة اكبر من التدبر والعمق والإحاطة والانفتاح على كل المضاعفات والملابسات لكي نتأكد من إننا لا نمارس من قريب أو بعيد بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر قتل الحسين عليه السلام .
حديث الصدر عن الامام الحسين عين حديث المرحلة التي واكبها الصدر عن الصدر ذاته فالعواطف والخوف وحب السلطة وقفت في ذاتية الفرد العراقي لتجعل منه قاتلا باكيا او بعثيا يذكر الصدر ويعقب (قدس سره ) ان من النتائج التي حققها الصدر هي بعث الاسلام من جديد في المجتمع من خلاله وتجسيد مأساة قريبة لهم عن قدسية الدين وكيف انه يتحرك وينمو ويضحي وليس كيانا افيونيا للشعوب ، الصدر لم يغير مناهج المدارس الدينية بقدر ما غير من قناعاتهم باتجاه المجتمع حتى اصبح بعض الطلاب في المدرسة الدينية عندما يرى سيارة عاطلة تحتاج الى من يدفعها فانه لايتردد عن نزع عمامته والقيام بهذا الأمر ومعايشة الواقع جنبا الى جنب مع السير العلمي والمعرفي .
  
  
  

  

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات // الفصل السابع

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات : الفصل السابع


                       
اثير الخاقاني
قراءة متأنية في الصياغات السياسية 
لمفهوم الحاكمية 
  
في سجون مظلمة جاءت من هاجس اختلال موازين القوى وصراع عنيف في حكم الإرادات بين الرئيس جمال عبد الناصر والفرسان الثلاثة أمريكا والامبراطورية الغازية بريطانيا مع فرنسا يجمعهن الخوف على ربيبتهن (اسرائيل) وتعذيب مبرح لمفكرين ومثقفين وابناء الحركة الإسلامية (الاخوان المسلمون) أفرزته أجهزة يوقضها الإحساس بالوهم ليجعلها ترى اخطاراً لاوجود لها ربما على الأرض ولان وجودها هو في حد ذاته المبرر لوجود هذه الأجهزة (أمنية أم استخبارية) اورثتها الاوهام حالة من الشك الدائم في كل الاشياء وكل الاشخاص فكان سيد قطب بالرغم من تنظيره القوي لحركة إسلامية متهمة بحمل السلاح وبالتخطيط لقلب نظام الحكم انموذجاً لاريب عصفت به التناقضات فاولدته مفكراً ثم هجمت عليه رجال الكواليس يحملون مشاعل في العيون فصيرته منظر حروب ومعارك تجري على قصة حكاية الظالم والمظلوم ونصرة الحق في وحشة الطريق بهذه المقدمة اللازمة استفتح بحثاً شائكاً اترقب اندلاع أدلته ونشوب مضامينه اذ يتواجد فيه عناصر واجزاء الانفجار وسوف تترك الامور تتصارع وتشتبك ليرفع القوي منها يد الحقيقة ويلوذ الضعيف في زوايا النسيان.
  
  

 
السياسة حول الحاكمية
هذا المصطلح لم يأت به سيد قطب من فكره ابتداعاً او ينسجه من وحي الظروف المحيطة به، وانما للمصطلح جذور غائرة في التاريخ من جهة وفي النصوص وتأويلاتها من جهة أخرى. يعد كتاب (معالم في الطريق) المرجع لفكرة الحاكمية المعادة في الخطاب الديني عند سيد قطب، وهو من الكتب الفكرية المكثفة فلم يمثل صغر الكتاب أزمة في ابراز الصورة التي ارادها الكاتب وان كانت الحاجة قاضية بالتوسعة والاسهاب في بعض فصول الكتاب لخطورتها وعدم الاكتفاء بإيصال الفكرة كحكم جاهز بل كان الاحرى الولوج في عمق التفاصيل والدقائق لان التأسيس يتطلب البحث في المبادئ والجوانب والتفاصيل  ،فالمبادئ للاستناد عليها والجوانب للامتداد الأفقي للأسس، وهذا ما جعل الكتاب يتصاعد عمودياً الى القمة فيوصف كاتبه بقطب المفكرين مرة وبقطب الإرهاب أخرى، في حين ظل هاجس الانيهار لهذا الجبل الصاعد وارد وربما مسألة وقت..
والعلة هي في غياب البحث الخاص بالكاتب وفي هذه النقطة الحرجة لم يبين الحاكمية كفعل خارجي وإنما ادغم في فصول كحقيقة مفروغ منها - كما بينا ذلك في الفصول الماضية -  ولم يتطرق الى أدواتها التي تصدرها الى المجتمعات هل هي المؤسسة الدينية فقط ام تشترك معها مؤسسات الحياة المختلفة، ثم الالتفات الى الأبعاد المؤثرة في الموضوع ايجاباً وسلباً، فالبعد التاريخي متسلط على المصطلح بأمثلته ووقائعه الحاكمة هي الأخرى على تطبيق الحاكمية، وكذلك البعد الاجتماعي (البيئة الداخلية، البيئة الخارجية) ونعني به المحيط الداخلي المؤثر مباشرة على إرادة الكاتب ومشاعره وأفكاره وبالتالي على كلماته  وما يسطره على الورق، والمحيط الخارجي الذي يعمل كمدافع بعيدة المدى ليس بينها وبين الكاتب صلة ولا حدود جغرافية او ذهنية مشتركة الا مساقط قذائفها ومواضع انفجاراتها يرمز لها بالاثر الاقليمي والدولي وحتى الطبقة الارستقراطية القاطنة في بلد الكاتب نفسه لانها تلقي بأثر تلو آخر بغير فاصله بينها وبين الآخر في طبقة أخرى، هذه العوامل لم تأتي في سلم أولويات الكاتب فراحت تغري الباحثين باقتناءها واستثمارها كنقاط ضعف خرجت من النسيان لتعلن عن وجودها فهل سقطت لتودي التحية لتأسيسها ام لتعلن الحرب ولولادة المعارك وتلطخ الميدان بالدماء علامة على النهاية.
لقد ذكر سيد قطب في كتابه المعالم قصة الحاكمية في عدة معالم منها : (أن العالم يعيش اليوم كله في "جاهلية" من ناحية الأصل الذي ينبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تحقق منها شيئاً هذه التفسيرات المادية الهائلة وهذا الابداع المادي الفائق! هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى اخص خصائص الاولوهية وهي الحاكمية..) [المعالم، ص10].
يستند استدعاء - الحاكمية لاتستدعى بل هي دائرة حياتنا الروحية مثالها الرب والمربوب الخالق والمخلوق وانما استعملت هذا الوصف لبيان ارادة تبنيه في ذلك الحين شعارا - مفهوم الحاكمية عند سيد قطب على   الجاهلية الغالبة على الجميع هذه الجاهلية تقوم على الاعتداء على سلطان الله تعالى في ارضه، واهم واخص مواضع الاعتداء هي الحاكمية.. فالجاهلية هنا نظام متكامل يسير الحياة ويبدع في المجالات المادية ولكنه يفرض ـ أي نظام الجاهلية ـ تشريعاته فيتمتد بعض (الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض ارباباً لافي الصورة الميدانية الساذجة، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن نهج الله للحياة وفيما لم يأذن الله..) [المعالم، ص10] ونفهم مما سبق ان الجاهلية كنظام تشريع تفرض بدائل ربوبية تحكم كخالق وان لم تغير شعاراتها وخطاباتها وفق هذا المستحدث التشريعي فتلج الى ادعاء وضع القيم والتصورات والتشريعات والقوانين كأن تحلل وتحرم وتحق وتبطل وتوجب وتملي كل هذا بازاء ارادة الله في ارضه وخلافه تماماً..
ولقراءة الحاكمية هذه المرة بالصيغ السياسية بعيدا عن خطابها الديني ومنشئها العقائدي في عالم النصوص ، ومايرافق ذلك من فقهاء وعلماء الى عوامل السياسة والمجتمع وعلاقة الدولة بالمفاهيم كل ذلك نقرئه في الخارج في الواقع وليس في الأذهان حيث يغفر الزلل بل في عالم يعيش الخطائون فيه لا مع الخالق بل مع الحاكم في قعر سجن مظلم لاتفتح فيه الأبواب إلاّ على قرع الطبول الى مقصلة الإعدام  ولتبيان الموضوع أكثر نقسم البحث الى عاملين يمثلان رأي أصحاب الصياغة فالعامل الأول يمثله نصر ابوزيد وهو مدار بحثنا ونقاشنا وردنا عليه فيما يمثل الآخر جملة ما رددناه سابقا في فصول الكتاب في أكثر من موضع ولا إشكال عليه من جهتنا والعاملان هما :
1ـ العامل السياسي طرف في بعث الحاكمية، وهو رأي نصر ابو زيد.
2ـ العامل الاجتماعي وضغط السلطة اثراً مزدوجاً وهو رأي الكثير أبرزهم حسن حنفي في كتاب اثر الامام الشهيد سيد قطب على الحركات الاسلامية، وفهمي هويدي في ملامح من كتبه حول هذا الموضوع منها التدين المنقوص، وطالبان جند الله في المكان الخطأ . وهذان العاملان عنوانان  لفصلين نبدأ بها سريعاً.
  
  
السياسة في بعث الحاكمية لدى سيد قطب
ان السياسة بتعريفاتها المتعددة تعني فن السلطة في كسب المصالح وادارة البلاد ودرأ المخاطر وتصنيف السكان والتعامل معهم وفق مدركاتهم وعاداتهم وأغراضهم، ولذلك حينما تغيب السياسة تطل الدكتاتورية برأسها لتعامل الناس برأي واحد وفكر واحد ومزاج واحد فيتلاشى التعدد في باطن الأرض. ومن الطبيعي لحركة إسلامية تأسست في بلد يمتاز بالثقافة والوعي ان تتفتح مداركها نحو السياسة لانها نمط فكري لاغنى للمتصدي لحاجات المجتمع في أي مجال من الإلمام العام بها وهذه الحركة هي الاخوان المسلمون تأسست في عام 1928 على يد الشيخ حسن البنا. كان تأسيس هذه الحركة ردة فعل لأربع مثيرات في المشهد المصري والعربي والإسلامي.
1ـ المثير الاول: وهو مثير مصري وهو بالغ الأهمية لكونه عنصراً قريباً محلياً من الحركة، والمتمثل بواقع الانفلات الأخلاقي وتداعي القيم وهذه طبيعة واقعة ضمن اخص أعمال أي داعية او مبلغ وهكذا تمخض هذا الواقع عن تأسيس الحركة يصفه البنا - أي هذا الواقع - في هذا المقطع (زرت أبا صوير.. وبدا لي ان انشأ فيها فرعاً للجمعية بالإسماعيلية فاخذت...وهنا نقطة قوة البنا شعبيا فهو لم ينظر الى نخبته لا في المساجد او البيوت المغلقة المحافظة بل في المقهاي وفي الطرقات والحوانيت حتى رأيت ما اردت وكان الشيخ محمد العجرودي رحمه الله.. وقد توسم البنا فيه الخير وفاتحه بالأمر .. وبعد زيارات متتالية اجتمعنا في منزل احمد أفندي وقررنا انشاء شعبة للاخوان المسلمين في ابو صوير..)1  ويبدو واضحاً العفوية لدى البنا في تأسيسه للحركة فالمؤسس الحقيقي  لها ضغط الواقع انذاك اذ لم يكن على الساحة من يعبر عن حركة التطبيع مع الافكار الغربية بالنقد او المعارضة. وينقل عن البنا (1906 ـ 1948) موقفه الاخلاقي الحازم ورغبته في التغيير فطرية فقد حكي عنه انذاك انه رأى في صباه تمثالاً من الجبس لامرأة عارية على ساري سفينة رست على شاطئ ترعة المحمودية فثار على هذا المنظر ولم يكتفي بذلك بل توجه الى ضابط الشرطة يشكو له قائلاً: ان هذه الصورة حرام ولايجوز النظر إليها وكونها عارية يزيد من حرمتها ووجودها في مكان يختلف الناس من رجال ونساء عليه ينافي الاداب.. اما عندما بلغ الشباب واشترك في جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية عندما التحق بدار العلوم بالقاهرة وصف حسن البنا هذه الفترة من حياته بقوله (في هذه الفترة التي قضيتها بالقاهرة اشتد تيار التحلل في النفوس وفي الارادة وفي الأفكار باسم التحرر العقلي في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي فكانت موجة الحاد وإباحة قوية جارفة طاغية لايثبت امامها شيء..)2
ولهذه الاحاديث ما يؤيدها في بلاط الملوك فقد جرى البذخ والاسراف واهمال القيم الاسلامية والانسانية معاً في تعاملهم مع شعوبهم فهذا الملك فاروق مثلاً بحسب ما كتبه السفير البريطاني في روما الى وزارة الخارجية في لندن يقول: (.. انه شعر بان السفير المصري رغم انه كان من امناء القصر ورغم ان زوجته كانت مؤتمنة على تأهيل ناريمان ـ زوجة الملك ـ بدا محرجاً وكانت عيناه تعكسان نظرة بائسة وهو يسمع احاديث المجتمع الايطالي بما فيه الدبلوماسيين عن مغامرات ملك بلاده دون تحرج من جانب احد لان الصحف كانت مليئة بالصور والاخبار عن السيرك الملكي المتنقل الذي قدرته الصحافة العالمية ـ وضمنها جريدة تايمز ـ مصاريفه ـ أي مصاريف زواج الملك ـ بمائة الف جنيه استرليني كل يوم ـ وهو مبلغ يساوي المليون جنيه استرليني بسعر العملة هذا اليوم ـ )[1].
واذا عرفنا ان شهر العسل قد اصبح شهران ونصف الشهر من العسل الممزوج بدماء الفلاحين  مع جهودهم وتضحياتهم ليقضي الملك رغبة في إحيا ليلة مع راقصة او اخرى على القمار الى مطلع الفجر. وقد تدخل وزير الخارجية البريطاني لدى اللورد (بيفر يروك) احد بارونات الصحافة الكبار وصاحب دار الاكسبرس لكي تخفف جرائده من حملتها وخصوصاً الرسوم الكاريكاتورية على ملك مصر ورفض (بيفر يروك) فيول أي تدخل ووجهة نظره (انه طالما ان ملك مصر يتصرف ـ بدون حياء ـ فان الصحافة من حقها ان تتابعه دون عائق) هذه احدى المثيرات التي حفزت الحركة الاسلامية على الظهور واذا كان احد بارونات الصحافة يرفض طلباً حكومياً بالكف عن مس ملك دولة بعيدة عنه - أي عن بريطانيا - مكاناً وفكراً وعقيدةً ومع ذلك يجد من واجبه ان يترك الصحافة تنهي عن الفحشاء السياسي والاجتماعي مع ملك (بدون حياء) كما عبر بيفر!! كيف لاتستنهض هذه المواقف ابناء البلد والذي يشاركهم مع الملك الدين والوطن والتراث.
2ـ المثير الثاني: المثير العربي كان حاضراً فمصر من المؤسسين للجامعة العربية وصاحبة الموقف الرائد هي والعراق في تجذير قضايا المنطقة في الشؤون الدولية، وتعد فلسطين المحك الذي اعرب عن المكنون العروبي لدى الشعب المصري، فقد تحركت المشاعر لدى الشباب المصري المسلم كغيره من العرب والمسلمين تجاه استلاب القدس وظهور الحركة اليهودية بجلاء وجلاءها من الغرب الى فلسطين، لكن من يتخطى الحدود؟ من يقفز بالاقوال الى الافعال عبر الاحلام الى الواقع ربما ستلجأ الى المواقف لتحكيم الاسماء والعناوين. فقد ذكرت مصادر عديدة ان حركة الاخوان المسلمين كان لها دور مشهور في اختراق الحصار الذي فرضته اليهود على الجيش المصري في الفالوجا. وامدوا القوات بالتموين والمواد الغذائية وذهب لهم ضحايا في هذا القتال منهم اثنان من ابناء الشيخ حسن غاني وهما محمد وعبد الوكيل الغاني وعلي حمدي طالب الحقوق وهو ابن ضابط الشرطة وعلى اسماعيل النيعومي الذي لم يتجاوز 16 سنة[2] كما تشكلت كتيبة بقيادة محمد فرغلي ويوسف طلعت (وقد اعدما سنة 1954) وقد جهز الاخوان هذه الكتيبة تسليحاً وتمويناً بالكامل وقد اطلق عليها اسم السابقين لانهما من اوائل الكتائب العربية التي دخلت فلسطين في اواخر سنة 1947 أي قبل نشوب الحرب بستة اشهر على الاقل وكان مقر هذه الكتيبة جنوب فلسطين بالقرب من غزة حيث اقاموا هناك معسكراً كانوا يقبلون فيه المطوعين الجدد من مصر وفلسطين على السواء وهناك كتائب اخرى بقيادة الشيخ مصطفى الباني وكتيبة الاخوان بسوريا وكتيبة الاخوان المسلمين في الاردن بقيادة عبد اللطيف ابو قورة ضمت الكثير من الاكراد. ان هذا الموقف قد يؤاخذ بمجيئة المتأخر فالتاريخ هنا 1947ـ1948 والتأسيس كان 1927 فكيف اثر هذا المثير في الحركة الاسلامية والاجابة على هذا التباين تلفت الانتباه الى ان تكوين الحركة الاسلامية (الاخوان المسلمين) لم يصل الى مرحلة التنقيح والالتحام لما وضعه في هيكليته الا في بعض البلدان الاخرى كسوريا والاردن بنحو نسبي وما زاد الى الضربات الموجعة لحركة الاخوان فمنذ التأسيس كانت تلاحقهم هيمنة الجامع الازهر وسيطرتها على المناخ الاسلامي وكانت هناك دعوات من الازهر كالشيخ علي عبد الرزاق الى العلمانية وان كانت سابقة على التأسيس الا انها مؤثرة في الشارع المصري وبالتالي تجميع الفكرة الحركة الإسلامية والقاء الضوء على الواقع العلماني كحاكم ناجح ومجتمع متمرس كما يبدو على بلاد الغرب ثم غياب فكرة العمل الاسلامي خارج حدود المسجد والجامع الازهري والحركة عمل مبتدع بالنسبة اليهما فعلماء الدين ينطلقون من الازهر وعلماء الطبيعة من الجامعات وهكذا اما الاخوان فيقوا خياراً ثالثاً بلا مصدر للانطلاق غير الفكرة العامة القائلة بان الاسلام دين ودولة وما ذكره حسن البناء يوضح شكلاً من صعوبات التأسيس (لاذنب لنا ان تكون السياسة جزءاً من الدين وان يشمل الاسلام الحاكمين والمحكومين)[3] وهذا منهج غير مرغبوب فيه في اوساط الازهر نسبياً وحتى غير الازهر من مراكز الفكر الاسلامي.
كما كان لالغاء فكرة الخلافة الاسلامية في تركيا مع مجيئ الحركة الكمالي واعلانها دولة علمانية بحته بعد ان كان يحكمها خليفة المسلمين دور في تولد الطموح في الحركة انها قد اختيرت لهذا الغرض ولاسمى هدف. فهم يعتقدون ان الخلافة رمز لوحدة الاسلام ومظهر ارتباط بين اسم الاسلام والاخوان المسلمون.. ولكن ذهب مع هذا الطموح شطراً من عمر التأسيس حينما لاح للملك فاروق في اوائل ملكه فكرة الخلافة الاسلامية ايضاً و كان الملك فاروق على وجه القطع - ووفق ما يظهر في الوثائق- مهتماً بالعمل العربي عموماً وبقضية فلسطين على وجه التحديد ومع ان عدداً من خدم الملك في ذلك الوقت نسبوا ذلك الاهتمام الى طموح متخصص (يحاول استعادة مسالة الخلافة في شكل آخر) وقد جاء في وثيقة من مكتب رئيس الوزراء في لندن تسأل السفارة البريطانية في القاهرة بحزم ((تلقينا معلومات بان الملك فاروق يفكر في زيارة فلسطين بدعوة من بعض وجهاء القدس العرب وورد في اخبار جاءتنا ان فاروق قام فعلاً بزيارة القدس في سرية كاملة.. لقد فهمنا ان عدداً من الوجهاء الفلسطيني دعوا ملك مصر للصلاة في ـ الحرم الشريف ـ ونحن نطلب أية معلومات لديكم وكذلك مقدمات لمواجهة مثل هذه الزيارة اذا تأكدت الحقيقة في شأنها) ثم في برقية اخرى مرسلة الى الحاكم البريطاني العام في القدس وفيها يقول السفير (هناك اخبار عن اعتزام الملك فاروق زيارة الشام بادئاً بلبنان وسوريا وكذلك القدس..) كما اضفى ظهور امين الحسيني في مصر علنا في مؤتمر لملوك ورؤساء الدول العربية كان الاول من القرعة وعرض اللجوء السياسي عليه من قبل الملك اشارة اخرى))[4].
فحملت هذه الزيارات  على محمل الجد في مسألة الخلافة من قبل الملك مع ظهور فكرة الجامعة العربية و رحب وساعد عليها فاروق مضافاً الى مواكبة وموازرة الازهر اذ كان يعيد الجمعة بانتظام وله علاقات ودية مع الامام الاكبر قد تفسر تخوف الامبراطورية البريطانية في حينها من هذه الزيارات الملكية وعدّها طريقاً الى اعلان الخلافة كما انها تتلائم مع نزوات ملك طامح بما وراء الملك على مصر الى الزعامة على العرب والمسلمين جميعاً. وهذا بالتأكيد خطف من اذهان الحركة القدرة على البوح او النجاح باقامة خلافة اذ الملك يرى ويشهد نفس الدراية والشعور، وعلى العموم فقد ذهب من عمر الحركة الكثير وكلما وصلت الى الاحتفال بتحقيق اهدافها ضربتها الحوادث والوقائع لترجعها الى المربع الاول، ولا ننسى انها حلت بشكل رسمي وقانوني سنة 1948 وهذا نص القانون:
(نحن محمود فهي النقرايش باشا بعد الاطلاع على المرسوم الصادر في 13 مايو سنة 1948 بإعلان الأحكام العرفية وعلى المادة الثالثة  من القانون رقم 15 لسنة 1923 ـ الخاص بنظام الاحكام العرفية وللقوانين المعدله له. وبمقتضى السلطات المخولة لنا بناء على المرسوم المتقدم ذكره تقرر ما هو آت: مادةأ: تحل فوراً الجمعية المعروفة باسم جماعة الاخوان المسلمين بشعبها اينما وجدت في الاماكن المخصصة لنشاطها وتضبط جميع الادوات والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والاموال.. )[5].
  
يتبع في الفصل الثامن باذن الله تعالى .........


 


[1] - سقوط نظام ، هيكل، ص314ـ 315.
[2] - المصدر السابق، ص15.
[3] - نفس المصدر.
[4] - سقوط نظام، ص173ـ174، هيكل.
[5] - سقوط نظام، هيكل.: ص19.



الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات // الفصل السادس

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات : الفصل السادس









اثير الخاقاني

تدويل الخلاف 
نتفق مع كل منتقد لطرح نصر ابو زيد لأنه بالفعل يؤسس لمنهج الحاكمية الشاملة للعقل على الآخر سواء كان نصا ام شخصا ، واني أحاججه بما تأثر به من سيرة ابن عربي الذي كتب عنه الكتب والاطاريح واقول له  بماذا بلغ ابن عربي كل هذا السمو في مختلف الاصعدة ؟ هل بتقليب النظر في جميع الوجوه ام بالذوق الإنساني الشفاف في قبول الأشياء على اختلافها .؟ لقد عدّ ابن عربي العقل قيدا يمنع في احيان كثيرة من تقبل المعرفة النقية بما يمثله من جوهر كل شخصية وذاتيتها  والذوات تختلف في الاستعداد لتقبل الحق لها او عليها  وما يؤكد كلام ابن عربي ما نرى في حياتنا اليومية من تفاوت فاحش بين مضحي من اجل كلمة وبين كاتم لها ولو على حساب الف رقبة تسفك وتداس , وبالرجوع الى "نصر ابو زيد"  فيما يتصل بنقده  فقد تجاوز في حقه النقد موضوعيته المتوخاة وسلك سبيلا بعيدا عن الاصلاح وبذات المسافة منه ومن سيد قطب جاء سوء الظن فيما كتبا وصرحا  على اختلاف في كيفيتهما وعقيدتهما فالعلمانيون شنعوا على سيد قطب ماقاله وماكتب بالرغم من ظرفه الصعب الذي يحتاج الى قليل او كثير من الانصاف لتبيانه على هامش الحكم عليه ايجابا او سلبا ، وهكذا جرى الاسلاميون او بعضهم في الهجوم على نصر ابو زيد فيما كتب وكان الاولى ان يرد عليه بكتاب متماسك ثم يقيم ضمن أي معادلة هو فيصنف ضمنها وباعتقادي الجازم ان عملية التصنيف قد فكت العديد من العقد والأزمات فنظير طرح "ابو زيد " في مجموعه يطالعنا مكتوبا  منه الكثير في الأندية العلمانية ومراكزهم الفكرية والبحثية ومثله في المنتديات والمقاهي يجري سليقة لبعضهم أما على الانترنت فصفحات ومواقع وشبكات تعمل ساهرة وجاهدة للإبداع في هذا المجال ..المشكلة في الأدوات التي جابه بها الاسلاميون نصر ابو زيد فهي رفعت من قيمة ماكتب اولا لتجعله قمة وملهم مستقبلي للأجيال وهنا تكمن الخطورة ، ومرجع واضح ومثال حي على الرد غير الحضاري من قبل الإسلاميين او حركات الإسلام السياسي .
ان كتابه نقد الخطاب الديني كان قريبا من الحجم الصغير وما ذكر فيه يماثل الشبهات التي تدوي في عقل الكاتب المراهق لنيل ملكاته فعندما جاء الرد المستطير بتهديده بفصله عن زوجه وقطع عنقه وحرق كتبه تعاظم الصغير ليتحول الى كبير بإضافة فصل رابع يبين المأساة وهي اقرب الى القلوب منها الى العقول وتاثيرها عند الجمهور اكبر ، واستحالت الشبهات والتساؤلات الى عقيدة والتساؤلات الى إجابات محكيه بألم ، والأغرب من كل ذلك ان بعض المسائل المعترض عليها من خصوم نصر ابو زيد هي صراع قائم بين المذاهب باستثناء الآراء الواردة في القران والوحي فهي منكرة ولا يمكن قبولها منه مطلقا. الأمر الغريب أيضا يتخذ هذا السؤال هو من الذي يعطي الحق بالتكفير؟ وهو من أعظم الأمور في الشريعة ولا يملك هذا الحق إلاّ الله وحده ومن نصبه لهذا الحق كالأنبياء والمرسلين والأولياء الخلص ويكون التكفير في الكفريات الواضحة غير القابلة للتأويل وإلاّ فالحدود تدرأ بالشبهات . نعم يطلق عليه وصف الكفر العقائدي وليس الفقهي .! ان المشكلة التي اعتقدها الدكتور عبد الصبور شاهين يمكن ان تندفع بهذا الاعلان المتسرع بالتكفير- مع تراجعه الواضح ونفيه القاطع لتكفير نصر أبو زيد -  ارتدت الى عُقد لن يرفعها سوى تطاحن اجيال برموز وجهود كانت في الاصل بين شخصين  نصر ابو زيد وعبد الصبور شاهين !!
فالجذور الأولى نبعت من متهور يبحث في عالم الإبداع ومن محافظ على حقوقه في عالم الإيداع في المؤسسة الكلاسيكية وكلاهما لم يبلغ شفافية الإسلام ولاحدوده ، فقد انطلقت دعوة تكفير نصر أبو زيد من داخل الجامعة حينما قدم أبحاثه للحصول على الترقية في سنة  1992م
وقدم  الدكتور عبد الصبور شاهين تقريرأ يكفر فيه نصر أبو زيد حيث ذكر فيه أن : ما جاء في أبحاث نصر أبو زيد خروج عن الدين وتنديد بالتاريخ الإسلامي ودعوة لإلقاء القرآن والسنة جانبا لأنه وصف الغيب بأنه أسطورة وخرافة مع أن الغيب أساس الإيمان وكانت النتيجة إلى تكفير سبعة أبحاث من ضمن تسعة قدمها نصر أبو زيد من أجل الترقية .
وانتقل موضوع تكفيره إلى خارج الجامعة إلى مساجد الهرم وفيصل ومسجد عمرو بن العاص على يد عبد الصبور شاهين - كما ينقل -  وأشتعلت النيران على صفحات الجرائد على يد الشيخ عبد الحليم شلبي ومن داخل الجامعة على يد الدكتور محمد البلتاجي عميد دار العلوم حينها ، وأنضم إليهم مجموعة من رجال الأزهر، كلهم نادوا بفصل نصر أبو زيد عن الجامعة حفاظا على الطلاب من أفكار الكفر والإلحاد ورفعت المشكلة إلى القضاء، وتم تقديم دعوى تطالب بالتفريق بينه وبين زوجته والحكم بأنه مرتد .
وتم الحكم بذلك وهاجر نصر أبو زيد إلى هولندا .فيما
اعتبره التيار السلفي مجدفاً - أي نصر ابو زيد -   والبعض الآخر اعتبره مجدداً وممن اسهم في هذه الازمة اشتعالا  الدكتور عبدالصبور شاهين مترجم  كتب المفكر مالك بن نبي والأستاذ سابقاً بجامعة البترول والمعادن (جامعة الملك فهد حالياً) بالمملكة العربية السعودية  إلا أنه وبعد  مرور أكثر من عقد ونصف و في أولى جلسات لجنة استماع حرية الفكر والإبداع بالمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان،  تراجع د. عبد الصبور شاهين عن موقفه من قضية د. نصر حامد أبو زيد بعد هذه المدة الطويلة من الشد والجذب  وأكد انه لم يكفّر د. نصر أبو زيد، وان كل ما كتبه في تقريره عن بحث د. أبو زيد لم يكن فيه كلمة عن الدين أو العقيدة. وقال إن عرض عليه تشكيل لجنة جديدة لقراءة بحثه، ولكن أبو زيد تمسك بتقريري لأنه سيقدمه للرأي العام. وأضاف د. عبد الصبور بأن هذا يفسر أن الزوبعة التي صاحبت القضية كانت مرسومة ومدبرة لتضخيم القضية. وأضاف انه لم يقابل المحامي الذي حرك دعوى الحسبة ضد د. نصر وفرق بينه وبين زوجته، كما أن القضاء المصري بكل درجاته أقر بالحكم. وأشار د. عبد الصبور شاهين في موضوع الندوة إلى أن تاريخ الإسلام كله إبداع وحرية وله التأثير الأكبر في الحضارة الأوروبية من خلال مفكريه وأدبائه وشعرائه وكان ذلك في جو الحرية المطلقة للإسلام. وأضاف أن الإسلام يعترف بالخلاف بدليل بقاء الخلاف في كتب الأئمة الأربعة. وأكد أن  للناس مطلق الحرية في أن تأخذ بأي منها. ولم نعرف أن أحد الأئمة كفر الآخر، لأنه اختلف معه.
ورغم القول التبريري للدكتور عبد الصبور شاهين، الا ان هناك بعض الشواهد تؤكد وقوفه خلف القضية ككتاب الدكتور جابر عصفور"ضد التعصب" الذي وصف فيه محاولات شاهين لتكفير ابوزيد والوقوف في طريق ترقيته لدرجة الأستاذية قائلا: "لم استبشر خيرا بوجود عبد الصبور شاهين في اللجنة، فهو ابرز ممثلي التيار الذي انتقده نصر في مقدمة كتابه "نقد الخطاب الديني". ويضيف عصفور: "تقرير عبد الصبور شاهين مكتوب بلغة انفعالية معادية، ثأرية، خطابية، محسومة نتائجها قبل كتابتها، مندفعة إلى غايتها التي تريد أن تصل إليها على أسرع وجه بلا روية، لغة من قبيل"هذا كفر صريح" وهذا رأي كافر مردود".

هذه الازمة التي وسعت الشقة بين كاتب مبدع كان يرجى له ان يصلح المناهج من الداخل الإسلامي ويوجه الى الخارج مدافعا عن الدين ولو من وجهة نظره على اختلافنا معها ، ولكن ان يضغط عليه اشد الضغط ثم يتنكر المكفرون من تكفيرهم له بعد ان أصبح من ابرع الباحثين في رصد هفواتهم وأخطائهم وزلاتهم ..! الحق أننا نعيش كما وصف ابوز يد نفسه مرحلة التكفير لمجرد التفكير ولا ادري هل كفروا من يبيح دماء المسلمين وأعراضهم وأرضهم أولاً ثم اتجهوا الى كاتب سلاحه القلم !
ونحن مع بعض الكتاب من الإسلاميين ممن رأوا في كتابات ابوزيد خطرا بسبب الشبهات والانحرافات وهذا واقع لالبس فيه  لكن من غير المنطقي عدم الرد عليها بما يضعف حجيتها كأولوية في الصدارة ثم التلويح بالرد العقابي تاليا وتاريخنا الإسلامي وشريعتنا الغراء فيها من التوسع في هذا الباب ما يعطي أتم الحجة فهناك أحاديث تأمر بان يحمل فعل وقول المسلم على سبعين محملا من الصحة واذا لم تجد له فابدي له النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة ..لقد أفرخت دعوة التكفير بحق ابوزيد الى دعوات لإزالة المكفرين من الوجود واستقذار شخوصهم وكسر شوكتهم شيئا فشيئا هل هذا مانطمح اليه في مرحلة صعبة للغاية يعز فيها قلم الكاتب والمفكر .؟!!
اعتقد بان على الجميع ان يقرا بأدب وإنصاف ثم يحكم بحدوده وحجمه ، فان مجابهة الكتاب بالسلاح وفتيلة البارود مما يعيب ويعلي من شان الكاتب فقط ، وفي تاريخنا شواهد حية لعلماء قتلوا بفتاوى فقهاء فأصبحنا نمجد المقتول بالفتوى ونلعن المفتي وخير مثال على ذلك قصة الحلاج الشهيرة .
لاشك بان نصر ابو زيد اخطأ وارتكب فاحشا من البدع وعليه ان يغير من هذا الأسلوب وهذا الاستدلال ولو فتش بهدوء عن مسائله لوجد المفتاح على الباب وليس بعيدا فالحدود التي يتحرك فيها متهما الخطاب الديني بالقصور فيها هي شبيه به من حيث التيه عن موطن الدين الحق اصلا فالحركة السياسية الإسلامية هي باحث نظير ابوزيد عن الدين وعن الشريعة ومجمل أخطائها منها لا من الدين فهي لم تبلغه وإنما تسعى اليه لانه المنبع لها وانها مفتقرة اليه على الدوام لازالت وبالتالي فان نحمل على المنابع العذبة ملوحة مياه أنهارها امر يخالف البديهة .
ثم ان ابو زيد غفل عن الآثار السياسية على أي كيان وفي اتجاه سار فيه فالسياسة تتفق فيما بينها على اختلاف مناشئها في حين تختلف الاتجاهات والمبادئ وقد لاتتفق أبداً لذا فالواقع السياسي يفرز قيما على الاسلاميين والعلمانيين طولا وعرضا مايجعلهم يتفقون في خصائص هي عين العيوب في نظر مبادئهم على اختلافهم وعلى هذا فالحكم يجب ان لايتعدى موضع العيب الى المبدأ فيظلم المبدأ والمسيس معا وفي هذا وقع نصر ابوزيد وغيره من الكتاب .


اثير الخاقاني

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات / الفصل الخا

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات / الفصل الخامس











اثير الخاقاني
حاكمية العقل عند نصر ابو زيد :
من المفارقة ان يستشهد نصر ابو زيد بسيد قطب دائما في أي موضوع تذكر فيه الحاكمية مشنعا عليها وعليه استعمالها ووصفه المناداة بالحاكمية من سيد قطب بأنها لأهداف سياسية وليست حتى بسبب الظرف الصعب الذي مرّ به "سيد " في السجون آنذاك ، موضع المفارقة ان سيد نادى بالحاكمية لله فكفر الأنظمة والسياسيات الحاكمة ومن رضى بهذا الأمر من المجتمع - وهو التباس كما بيناه وليس تكفيرا حقيقيا - إلاّ ان نصر ابو زيد استعمل حاكمية العقل فكفر الإسلاميين من حيث سلبهم قصدهم في التوجه الى ربهم وانهم في خطابهم يتجهون بالحاكمية خطاب استعلاء واستقواء بها على العباد لنيل مطامح بعيدة عن معالم الدين ، ووصفه اهم مصدر عنهم وعند كل عربي بانه كتاب غارق في الاسطورة واليك مقاطع من خطابه :
القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة لقد صار القرآن هو نص بألف ولام العهد وقال أيضا: "هو النص المهيمن والمسيطر في الثقافة" وقال : "فالنص نفسه - القرآن - يؤسس ذاته دينًا وتراثًا في الوقت نفسه وقال مطالبًا بالتحرر من هيمنة القرآن : " وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها ، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا ، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان ..ومقصد ابو زيد ان القران كلام الهي الا انه وافق العرب في حبها للأسطورة ولائمها في مراعاة ثقافتها وافكارها واذا صح ذلك فانما يصح في زمن كانت العرب قبائل والحياة على بساطتها اما بعد هذه القرون فعلى المسلمين ان يتطوروا في تعديد مصادرهم  تبعا للحاجة البشرية  وان لايتوقفوا عند  القران لأنه نص واكب حاجة بشرية ماضية .
موضع التوقف عند كلام ابو زيد ليس في ما يخص القران وإنما في هذه  الثقة المتزايدة في أحكام العقل حتى تولدت لديه - أي أبو زيد - حاكمية مقاربة لما تبناها سيد قطب نتجت من ضغط شبيه بزنزانة " سيد " تمثل في موقف المجتمع الديني من كتابات ابوزيد  التي اعتبرت بحكم الردة عند البعض  ومحاولة فصل زوجه عنه والاقلام التي انساقت بشكل موجه في الحط من شخصيته وقدره وليس أمام أبو زيد إلاّ ان يبري قلمه ويعمل فكره في الدفاع المستميت الذي اتخذ في مساره ثلاث خطوات أساسية :
•1.  احترام البعد التاريخي في أي من القضايا المختلف فيها وبالذات بينه وبين الحركة الاسلامية ، وهذا ما يستدعي تجميد حركة النصوص او كبح السرعة الانتقالية لها عند الإسلاميين . مما يوفر وضع الدليل العقلي لمحكم لهذه المسافة التاريخية وعنئذ تفرغ النصوص من قدرتها على القرار في الفصل بين الخصوم .
•2.  التلاعب في الدلالة البلاغية للنصوص ومحاولة تعطيل الأثر الناتج عنها ، وهذا مانراه في صرف البديهية الفقهية عن محلها الى وضع ملتبس قابل للنقاس وانتقالها بالتالي الى نقطة خلاف ، مثال ذلك " لا اجتهاد مع نص " فقد عمد ابوزيد الى اعتبار النص مادة غير مفهومه الا بصاحب النص لانه يفسرها ويبينها وحينئذ فهو القيم عليها وهو الموجه لمؤدياتها وعلى هذا فنحن أمام إرادة دخيلة على النص إرادة مجتهد بلا شك او بالأحرى فكر بشري داخل النص .
•3.  الاحتكام الى العقل في الجوانب الغيبية مطلقا وفتح الباب له الى المقدس سواء كان نصا او شخصا او دينا لإبداء الرأي او الحكم النافذ على المحكوم عليه .
هذه الخطوات عززت الفجوة بين ابو زيد الازهري الاسلامي الذي صرف من عمره سنين عديدة وهو يبحث ويكتب وينال الشهادات في الدراسات الاسلامية وبين ابو زيد المتمرد او العقلاني كما يرى ، ومن الغريب ان يتحول ابو زيد الى العلمانية وهو يحمل الهوية الدينية لكن في نزعتها الصوفية ويغدق عليها الكثير من اهتمامه وجهده حتى اصبح من الدراسين البارزين والكاتبين المعروفين عن ابن عربي المتصوف الشهير .!
والذي لم يفهمه جيدا ابو زيد ان القران الكريم ليس نصا طبيعيا يخضع للطبيعة البشرية واحكامها ولا أريد ان احتكم للقران ذاته لان نصوصه صريحة في هذا الصدد ، ولكني احتكم الى التاريخ اولا والذي سطر لنا الكثير من الغزوات الخارجية على بلاد المسلمين ومن قبلها الفتوحات الاسلامية ومابينها حكم الملوك كالعهدين الاموي والعباسي وختاما بالعهد العثماني السبات الطويل في حياة الامة العربية والاسلامية كل هذه الملاحم والمتغيرات انصبت على هدف اساس وهو ضرب المشتركات بين المسلمين لالغاء نظام الوحدة او قانون الوحدة في النظام الاسلامي  ولاشك انه القران ولاريب المثال الوحيد المتبقي على وحدتهم وتوحيدهم ووقارهم  الا ّ ان هذه المساعي باءت بالفشل رغم تكررها وتكثيرها والسبب في ذلك هو انه كتاب ليس من طبيعتنا العامة يمكن نسجه ونقضه بالكيفية ذاتها .! القران كتاب يجمع كم هائل من الافكار مضمرة ومعلنه دون ان يتحول الى كتاب فكري خالص بل نجده معلما للأدباء لما فيه من جوانب نثرية مهمة الى جانب علم النحو والبلاغة والصرف وباقي علوم العربية ولا ينتهي الحال الى هنا بل يستمر الى فتح الابواب على علوم اخرى ..ان دراسة القران بمنهج بشري يعني ان تلغي معاني وتقف عند معنى واحد فقط ، العقل البشري لايستوعب فكرتين في لفظ واحد في آن واحد ولكنه يستوعبها بالتدرج .. هذا التدرج هو السبيل الوحيد للعقل البشري لدراسة القران وبما انه يجمع تحت طبقة الفاظه بحرا هائجا من المعاني تصور كم من الوقت يحتاج الى نزحه واستنفاده هذا اذا قطعنا النظر عن نظرية اخرى ترى القران يستمد معانيه من مصدرين الاول ماتحدثنا عنه وهو الخزين المعنوي الهائل خلف ألفاظه والمصدر الآخر الارتباط المستمر بالمتكلم !! اليس هو كلام الله والمتكلم باق لايفنى فيقتضي من ذلك بقاء كلامه ببقاءه حتى يأذن هو بانقطاعه ولم يحدد لنا اجل الانقطاع قبل يوم الحساب  .
العقل يحكم بان القران خارج حدوده كما اننا نحكم بعجز العقل أمام ظواهر فيزيائية لم يفك العلم ألغازها إلاّ بعد قرون من الزمن ، وما ذلك إلاّ دليل على ان العقل البشري يتعامل بأدوات الزمن والمكان الذي يتحرك فيه وما خرج عنها فهو مبهم لديه وما تجرد عنها فهو اشد حيرة له ، والقران كتاب لمن يراه الهي لابد وان يتجرد عن حدود الزمان والا فهو كتاب لفجر الدعوة  ويتجرد عن المكان والا فهو كتاب لقريش واحلافها . وهناك من الباحثين من لا يرى قيمة لهذا التجرد اصلا (كالعشماوي في كتابه الاسلام والسياسة ) وهذا فهم من لا يفهم اين يكمن الإعجاز فالكتب الخالدة هي التي أينما تقرئها فانك تلمسها موجودة تعيش معك الهم والإحساس حينئذ يتصل الواقع ويصبح البعد يسيرا وكلما تعاظم خلودها كلما اصبحت الفاصلة الزمانية صفرا وبالتالي تنعدم الجغرافية ويتحرك الكل في ذات الذهن والدائرة الفكرية ..
  
  



الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات : الفصل الرابع

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات : الفصل الرابع                                        








ثير الخاقاني
   
كتاب
 الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات
الفصل الرابع   
مع نصر ابو زيد
   السيرة الذاتية :
لا ادري هل هو من الصدف والصدف لا محل لها في قانون الحياة الدقيق ان يتزامن ثلاثة من رموز البحث "سيد قطب وجمال عبد الناصر ونصر ابو زيد " من منشأ واحد ذلك هو الريف المنبع الغيداق للعديد من الشخصيات في مختلف المجالات ، ومن يدري قد يكون وراء هولاء إرادة ذلك المنشأ فيما اختلفوا عليه وبه ومنه .! نترك هذا الشأن الى محل آخر مناسب له . لنبحث في نصر ابو زيد هذا الباحث عن الذات أولاً ثم عن الطموح ثانيا ثم عن المشاكل والأزمات بلا نهاية ..
نشأ ابو زيد في أسرة ريفية بسيطة كما اشرنا الى ذلك آنفا حيث ولد في إحدى قرى طنطا في 10 يوليو من عام   1943 ، في البداية لم يحصل على شهادة الثانوية العامة التوجيهية ليستطع استكمال دراسته الجامعية، لأن أسرته لم يكن بمقدورها أن تنفق عليه في الجامعة، لهذا اكتفى في البداية بالحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960 ، ثم تحول من العلوم الصناعية واللاسلكي الى علوم العربية  فحصل علي الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب من   جامعة القاهرة عام   1972 ، بتقدير ممتاز. ولم يكتف ابو زيد بل شد العزم على نيل الماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976 م، بتقدير ممتاز ايضا ، ومرة أخرى ظل طموحه يحركه نحو ماهو اعلى  ليتجه الى الحصول على الدكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1979 م، بتقدير مرتبة الشرف الأولى.
نال ابو زيد مجموعة من المنح والجوائز  والزيارات العلمية اولها  منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1976-1977م..ثم منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1978-1980م.            
جائزة عبد العزيز الأهواني للعلوم الإنسانية من جامعة القاهرة 1982م.
أستاذ زائر بجامعة أوساكا للغات الأجنبية باليابان 1985 - 1989م
وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية "تونس" 1993م.
أستاذ زائر بجامعة ليدن بهولندا بدءا من أكتوبر 1995م.
جائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان، 1996.
كرسي "كليفرينخا Cleveringa" للدراسات الإنسانية -كرسي في القانون والمسئولية وحرية الرأي والعقيدة- بجامعة ليدن بدءا من سبتمبر 2000م. 
ميدالية "حرية العبادة"، مؤسسة "إليانور وتيودور روزفلت"،2002.
كرسي "ابن رشد" لدراسة الإسلام والهيومانيزم"، جامعة الدراسات الهيومانية في أوترخت، هولندا 2002-  
وعندما قدم أبحاثه للحصول على درجة أستاذ تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة بينهم د.عبد الصبور شاهين الذى اتهم في تقريره د.نصر " بالكفر "، وحدثت القضية المعروفة التى انتهت بترك نصر لبلده مصر  إلى المنفى، منذ عام 1995 بعد أن حصل على درجة أستاذ، بأسابيع. وينادي الدكتور أبو زيد بأن النص الديني الأصلي هو منتج ثقافي و بإخضاع القرآن لنظرية غربية ماديةتؤول الوحي الإلهي - تسمى الهرمنيوطيقا- على أنه إفراز بيئوي أسطوري ، ناتج عن المعرفي التاريخي الغارق في الأسطورة.
الهرمنيوطيقا :
اسم هذه النظرية الهرمنيوطيقا ، و مصطلح الهرمنيوطيقا مصطلح قديم بدأ استعماله في دوائر الدراسات اللاهوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني الكتاب المقدس.. يشير المصطلح إلى نظرية التفسير ويعود قدم المصطلح للدلالة على هذا المعنى إلى عام 1654م وما زال مستمرًا حتى اليوم خاصة في الأوساط البروتستانتية . وقد اتسع مفهوم المصطلح في تطبيقاته الحديثة ، وانتقل من مجال علم اللاهوت إلى دوائر أكثر اتسـاعًا تشمل كافة العلوم الإنسانية ؛ كالتاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجى وفلسفة الجمال والنقد الأدبي والفلوكلور. والقضية الأساسية التي تتناولها الهرمنيوطيقا بالدرس هي معضلة تفسير النص بشكل عام ، سواء كان هذا النص نصًا تاريخيًا ، أم نصـًا دينيًا وقد فاز الدكتور أبو زيد بجائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر-تيمناَ باسم الفيلسوف ابن رشد (1126-1198)الذي كان بفكره جسراً بين الثقافات- بتاريخ  25 نوفمبر عام 2005، في معهد جوته برلين. من أجل إعادة قراءة معانى القرآن قراءة مستقلة عن التفسير التقليدي. وهو مقيم إلى الآن في منفاه بهولندا. لقد طالب أبوزيد بالتحرر من سلطـة النصوص وأولهـا القرآن الكريم الذي قال عنه : القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة لقد صار القرآن هو نص بألف ولام العهد وقال أيضا: "هو النص المهيمن والمسيطر في الثقافة" وقال : "فالنص نفسه - القرآن - يؤسس ذاته دينًا وتراثًا في الوقت نفسه وقال مطالبًا بالتحرر من هيمنة القرآن : " وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها ، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا ، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان أثارت كتابات الباحث المصرى ضجة إعلامية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. فقد أتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد الإلحاد. ونظراً لعدم توفر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الارتداد عمل خصوم نصر حامد أبو زيد على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التى يطبق فيها فقه الإمام أبو حنيفة، والذى وجدوا فيه مبدأ يسمى الحسبة طالبوا على أساسه من المحكمة التفريق بين أبو زيد وزوجته. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته قصراً، على أساس أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم. حياة الزوجين باتت في خطر، وفى نهاية المطاف غادر نصر حامد أبو زيد وزوجته د.ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسى القاهرة نحو المنفى إلى هولندا، حيث يعمل نصر حامد أبو زيد الآن أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن.
أعماله :
1. الاتجاه العقلي في التفسير (دراسة في قضية المجاز في القرآن عندالمعتزلة ) وكانت رسالته للماجستير
2. فلسفة التأويل (دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي)وكانت رسالته للدكتوراة، في كلية الأداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية
3.  مفهوم النص دراسة في علوم القرآن
4.  اشكاليات القراءة واليات التأويل ( مجموعة دراساته المنشورة في مطبوعات متفرقة
5.  نقد الخطاب الديني
6.  المرأة في خطاب الأزمة ( طبع بعد ذلك كجزء من دوائر الخوف)
7.  البوشيدو( ترجمة وتقديم نصر أبوزيد)
8.  الخلافة وسلطة الأمة نقلة عن التركية عزيز سني بك ( تقديم ودراسة نصر أبوزيد)
9.  (1)النص السلطة الحقيقة ( مجموعة دراسات ومقالات نشرت خلال السنوات السابقه)
10.  دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة( يتضمن الكتاب السابق المرأة في خطاب الأزمة)
11. الخطاب والتأويل ( مجموعة دراسات ،تتضمن تقدمة كتاب الخلافة وسلطة الأمة)
12. التفكير في زمن التكفير ( جمع وتحرير وتقديم نصر أبوزيد عن قضية التفريق بينه وبين زوجته وردود الفعل نحوها)
13. القول المفيد في قضية أبوزيد( تنسيق وتحرير نصر أبوزيد عن قضية التفريق بينه وبين زوجته.
14.هكذا تكلم ابن عربي ( يعيد فيها الباحث مراجعة دراسته عن ابن عربي )
15. الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية                                                                                             
المؤلفات
أولا: الكتب
 1. الاتجاه العقلي في التفسير ، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، دار التنوير، بيروت، ط3، 1993. صدرت الطبعة الرابعة عن المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، 1996.
2. فلسفة التأويل ، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، دار التنوير، بيروت، ط2، 1993. صدرت الطبعة الثالثة عن المركز الثقافي العربي، 1996.
3. أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا، إشراف مشترك مع سيزا قاسم، دار إلياس العصرية، القاهرة، 1986. ودار عيون، الدار البيضاء، 1987.
4.  مفهوم النص ؛ دراسة في علوم القرآن ، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ، ط2، 1994. والمركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط3 ، 1996..                                             
5. إشكاليات القراءة وآليات التأويل ، المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، ط4، 1995.
6. الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية ، ط1 دار سينا بالقاهرة 1992 ، ط2 مكتبة مدبولي بالقاهرة ، 1996. 
7. نقد الخطاب الديني ، دار سينا بالقاهرة ، ط2 1994 ، ومكتبة مدبولي بالقاهرة ط3 ، 1995م. (ترجم إلى الألمانية بعنوان : lslam und Politik, kritik des Religiosen Diskurses ترجمة : شريفة مجدي ، وتقديم : نافيد كرماني ، دار نشر ديبا Dipa فرانكفورت 1996م.
8. المرأة في خطاب الأزمة ، دار نصوص بالقاهرة ، 1995.                                       
9. التفكير في زمن التكفير، دار سينا بالقاهرة، ط1 1995، ومكتبة مدبولى بالقاهرة، ط2 1995.
10. الخلافة وسلطة الأمة ، تقديم ودراسة ، دار نهر بالقاهرة ، 1995.                                
11. القول المفيد في قصة أبو زيد ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، ط1 ، 1996.
12. النص، السلطة، الحقيقة ، المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، ط3 ، 1997.
13. دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط1 1999.
14. Vernieuwing in het islamitisch denken ترجمة هولندية لمختارات: مقالات وفصول من كتابي: "مفهوم النص" و "نقد الخطاب الديني" ، ترجمة: فريد وروبي ليمهاوس ، دار بولاق ، أمستردام 1996م.
15. Critique du discours religieux، نصوص مختارة، ترجمة: محمد شاريت، دار سندباد 1999.
16. Ein Leben mit dem Islam، الترجمة الذاتية، إعداد: نافيد كرماني، دار هردر، 1999.
20. الخطاب والتأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط1 2000م.
21-هكذا تكلم ابن عربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، ط1 2002، ط2 المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء 2004.
22-اليسار الإسلامي: إطلالة عامة، معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، جامعة بير زيت 2004.
ثانيا: المقالات باللغة العربية:                                                      
1-أزمة الأغنية المصرية، مجلة الأدب، القاهرة، م 9 ، ع 7 ، 1964. ص:406-408.*  
2-ابن خلدون بين النظرية والتطبيق، مجلة الكاتب، القاهرة، ع 195 يونيو 1977.* 
3-الفوازير: وظيفتها وبناؤها اللغوي، مجلة الفنون الشعبية، العدد 18، مارس 8791م. ص: 60-66.*
4-السيرة النبوية سيرة شعبية، مجلة جامعة أوساكا باليابان، العدد 71 عام 1986، ص: 1-24. مجلة الفنون الشعبية، العدد 33، ديسمبر 1991م. ص: 17-36.*  
5-الكشف عن أقنعة الإرهاب ، مجلة أدب ونقد ، القاهرة، العدد 58 يونيو 1990.    
6-ثقافة التنمية وتنمية الثقافة ، مجلة القاهرة ، العدد 111، 1990. ص: 23-28.*
7-كتاب "حصاد السنين " وأسئلة التنوير المكبوتة ، مجلة العربي ، الكويت، العدد: 395 أكتوبر 1991، ص:108-131.*
8-التلفيقية في التجديد الإسلامي (قراءة نقدية لكتاب محمد شحرور) ، مجلة الهلال ، القاهرة ، أكتوبر 1991، ص: 18-25.*
9-إعطاء "العيش" لخبّازه أو العودة لمحاكم التفتيش ، مجلة "أدب ونقد" ، العدد 75، نوفمبر 1991، ص: 28-31.*  
رد محمد شحرور-حول القراءة المعاصرة للقرآن-، مجلة الهلال، القاهرة، يناير 1992، ص: 128-134.*
10-المنهج النفعي في فهم النصوص الدينية (رد على شحرور) ،  مجلة الهلال ، القاهرة ، مارس 1992. ص: 54-61.*
11-محاولة قراءة المسكوت عنه في خطاب ابن عربي ، مجلة الهلال ، القاهرة ، مايو 1992.
12-قراءة التراث في كتابات احمد صادق سعد ، مجلة أدب ونقد ، القاهرة ، العدد 87 نوفمبر 1992.
13 -قراءة التراث وعدسة الناقد الحداثي، مجلة القاهرة، العدد 126 مايو 1992.
14-ابن رشد: التأويل والتعددية ، مجلة العربي ، الكويت، العدد: 414، مايو 1993. ص:111-117.*
15-كتاب "تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها" لمحمد جابر الأنصاري ، مجلة العربي، الكويت، العدد: 415، يونيو 1993. ص: 94-99.*
16-اللامعقول: كيف يصير معقولا فى حياتنا ، جريدة الأهالي، القاهرة، 1/9/1993. الصفحة الأخيرة.*
17-زكى نجيب محمود: غربة الروح بين أهلها ، مجلة المصور، القاهرة ، 24/9/1993. ص: 46-44.*
18-مات الرجل وبدأت محاكمته ، مجلة أدب ونقد، القاهرة ، أكتوبر 1993. ص: 63-68.*
19-المعقول واللامعقول في الحياة السياسية المصرية ، جريدة الأهالي، القاهرة، 6/10/1993.*
20-المثقف العربي والسلطة ، جريدة الحياة ، لندن، 17/10/1993.*
21-المقاصد الكلية للشريعة: قراءة جديدة ، مجلة العربي ، الكويت، العدد: 426 مايو 1994. ص: 112-116.*
22-عصيان الدين أم عصيان الدولة ، مجلة الناقد ، لندن ، العدد:73 يوليو 1994، ص: 9-15.*
23-الأرثوذكسية المعمّمة ، مجلة الناقد ، لندن ، العدد:74 أغسطس 1994، ص:26-34.* 
24-الرؤيا في التراث السردي العربي ، مجلة فصول ، القاهرة ، ديسمبر 1994.*
25-كلام ليس جديدا تماما عن الإسلام والشعر ، مجلة أدب ونقد ، القاهرة ، العدد: 113 يناير 1995، ص: 79-84.*
26-الدفاع عن الشعر من أجل تأسيس علم البيان ، مجلة أدب ونقد ، القاهرة ، العدد: 114 فبراير 1995. ص: 75-84.*
27-تجديد الفكر الإسلامي: أسئلة واقتراحات ، جريدة الحياة ، لندن ، ؟*  
29-القراءة الأدبية للقرآن: إشكالياتها قديما وحديثا ، مجلة الكرمل ، مؤسسة الكرمل الثقافية رام الله فلسطين ، العدد 50 ، ص: 133-155.
30- من علمانية بداية القرن إلى أصولية نهايته ، حرية ، لجنة الدفاع عن حرية الفكر والاعتقاد ، العدد 2 ، يناير 1997م ، ص: 58-63.
31-اللغة: الوجود: القرآن: دراسة في الفكر الصوفي، مجلة الكرمل ، مؤسسة الكرمل الثقافية رام الله فلسطين ، العدد 62، شتاء 1999.
ولديه دراسات ومقالات بلغات أخرى اقتصرنا على هذا المقدار الموسع لبيان سيرة الدكتور نصر ابو زيد .


الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابوزيد صراع في الصياغات ....الفصل الثالث

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابوزيد صراع في الصياغات : الفصل الثالث





اثير الخاقاني
الحاكمية  والتكفير عند سيد قطب 
   المجتمع الجاهلي رقم 20 
يرى سيد قطب وهو في منتصف القرن العشرين او أكثر بسنين قلائل  ان المجتمعات - وباعتقادي انه قاس على محنة المجتمع المصري المجتمعات الإسلامية الأخرى - المسلمة بعيدة عن الروح الحقيقية للإسلام فالفرد المصري مثلا - في حينه - كان يُسيّر منذ الصباح من قبل الدولة نظاما وتشريعا ثوابا وعقابا كما ان الجهل الكبير بأصول الدين وفروعه والابتعاد عن الجادة الواضحة الى الانحراف الواضح تعد أسباباً خلقت أسباب أخرى حفزت على ظهور ماتبناه سيد قطب من مفهوم الحاكمية وجاهلية المجتمعات ، وهناك أمثلة لا تخفى على أي مصري عاش حقبة الملكية والناصرية الآتي الحديث عنهما في الفصل القادم بإذن الله تعالى -  والفرق بين الملكية والناصرية أن الأولى كانت مظاهر الفساد والانحلال متاحة وربما للأكابر فقط وان كانت الآثار تعم المجتمع بالتساوي أما في العهد الناصري فقد كانت هذه المظاهر جزء من واقع يرغم عليه الكثير ويحاسب من يتنزه عنه ويتورط بانه من خلايا الإخوان او بقايا المكتب العسكري له , ولا ادري هل نقف اما شخصية صلاح نصر مدير الاستخبارات المصرية الى عام 1967 او عند المشير عبد الحكيم عامر وفضائح القصور المعتمة في الجانب الآخر من حياته العسكرية ..ام نتجاوزها ونوكلها الى كتب السياسة وهذا هو الأحرى ..هذا الواقع استدعى الغوص في أعماق الدين والاعتزال الذاتي في حدود الشريعة - نقصد به جيل سيد قطب من الإسلاميين على اختلاف مستوياتهم - خصوصا والجيل هذا ألزمته السجون أن لاينفتح في أفكاره وأحكامه خارج زاوية الرأي الحاد ووجهة النظر المناسبة لمن يقبع في الزنازين ويعاني الم السياط وتصفيق الآخرين لهم وانغماس المحيط في افلام الفراش والهنود الحمر ..!
حكم سيد قطب من تلك الزنزانة بالجاهلية على هذا المجتمع وبما انه -كغيره - قد بلغ مراتب في الشريعة معمقة نظر الى المجتمع من أعلى ومن فوقيات المعاني الشرعية والعقائدية  وحتما وجدوا المجتمع وهو في وادي سحيق ، يستحق وصمه بالجاهلي وأناسه بالجاهلية والكفر دين الجاهلية ، ومما زاد الطين بلة أن الكلمات خرجت من فقيه أديب يسرح في الألفاظ الى المعاني بخيال خصب قد لايعتني بالقارئ وهو لا يدري في أي مقصد أراده الكاتب له وفي أي معنى سلك وكما يعبر عن ذلك الكاتب معتز الخطيب بقوله :
لا بد أن نقرر أن المعاني تُطلب من المفاهيم لا من الألفاظ، فمن طلب المعاني من الألفاظ ضل وتاه، وقوام الأدبية قائم على التشبيه والتخييل والتمثيل، ورقة العبارة، وسعة التعبير، وفي هذا غلبة للحس على اللفظ، وللعاطفة على الفكر، ومشكلة قطب أنه خاض بعباراته المرنة هذه في قضايا عقدية ولا بد، والمسائل العقدية يطلبها الناس من الألفاظ، والأحكام الشرعية تقوم في الحدود والعبارات، فلا يمكن تبرئة الأديب سيد قطب رحمه الله من مسؤولية عباراته.
ثم إن المفاهيم التي شرحها ونظّر لها حين تُضم إلى بعضها لا يمكن إلا أن تؤدي إلى نتائج عنيفة، من الجاهلية والحاكمية -على ما شرحه وأفاض فيه- والجهاد وفق شرحه، والبرنامج الحركي الذي رسمه في معالمه، ومنعه الاجتهاد الفقهي بتعليله السابق، والقول بتوقف وجود الإسلام، وبإنشاء المسلمين من جديد، وحصر الإسلام في الطليعة المؤمنة التي ستشكل نواة المجتمع المسلم المنشود، إلى غير ذلك.
إن إطلاقية قطب الصارمة في مجمل ما يصدر عنه بوصفه يقينًا لا يحمل الاجتهاد، وصوابًا لا يحمل شائبة من الخطأ، كل هذا يبني تصورًا ويُشيد قلاعًا، ويحطم كل الجسور؛ لأن المسألة لديه أبيض وأسود فقط والثالث مرفوع!.
أقول هذا مع علمي بأنه هو نفسه حين سُئل عن التكفير قال: إن "المسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس! ، وهو بالفعل كان معنيًّا بهذا في فكره وكتاباته، وكذلك أنا لست معنيًّا هنا بأن قطبًا يكفر المجتمع أو لا، غير أن مفاهيمه لم تكن لتقف عند حدود المقدمات التي تبنيها دون النتائج التي تسكت عنها، بل كان من المنطقي أن يأتي من يستنتج من تلك المقدمات ما تحمله في طياتها وفي ذاتها!.
هذه المقاربة كما يراها الدكتور ابو الفتوح في تشخيص وفهم الواقع لم يقل بها أي من الدعاة من قبل، ناهيك عن حسن البنا نفسه، والذي كان قد وضع أسس العمل الإسلامي على قاعدة أن المجتمع مسلم ينقصه بعض قيم وأخلاقيات الإسلام، وهذا دورنا وحقه علينا، ومن ثم كانت الدعوة، وأن الدولة مسلمة، ولكن عليها الاقتراب أكثر من الأحكام والتشريعات التي تقيم العدل والحرية والحياة الكريمة الآمنة لمواطنيها، ومن ثم كانت النصيحة الدائمة والتواجد القوي في المؤسسات التشريعية والرقابية والنقابية.
سيد قطب والتكفير :

التكفير الذي تحركت به الأقلام والباحثين نحو سيد قطب جاء من اشتباه في قراءة نصوص كتبه الأساسية ككتاب الظلال والمعالم وخصائص التصور الإسلامي وباقي كتبه الأخيرة التي كتبها في السجون - وماهي الا سيد قطب في المرحلة الاخيرة من حياته ولكن ليست الخاتمة الأخيرة  من أفكاره لانها طبعت بإعدامه رغما ولو شاءت الأقدار إمهاله لكانت المتغيرات كفيلة بتغيير في الأفكار - هذا الاشتباه تولد عند البعض بفعل الرغبة في توسيع مظلة الشرعية على ما يقاسيه بعض الإسلاميين من حيف او أذى من الأنظمة فاسقطوا هذه النصوص على مأساتهم بغية الشرعية على ما سيصدر عن التكفير من تجويز او توجيب الجهاد ! هذا لمن اخذ النصوص بحسن نية أما من أراد ان يتخذ من هذه النصوص وصاحبها غرضا لإلغائه ودروه عن الساحة المصرية وبالتالي العربية الإسلامية فهو مما يجري ضمن السياق الاعتيادي لامتنا في تحبيذ النقد على البناء والتفكير في الإلغاء بدلا من الاحتواء ، وكلامي يتعداهم تماما لأنهم ظاهرة قديمة ومتجددة في واقعنا العربي خصوصا  .. وزيادة في التفصيل لهذا الموضوع الحيوي "التكفير " عند سيد قطب أورد مسائل أخذت من بعض المعنيين بهذا الشأن  - كالمستشار "د. كمال المصرى"الذي ساق شواهد متعددة من كلام "سيد "، وكذلك ما نقله عن بعض العلماء - أراها منصفة للقضية وللموضوع معا واليك المسائل :

المسألة الأولى: أن سيد قطب  لا يعدو عن كونه بشرًا يصيب ويخطئ، ويُؤخَذ من كلامه ويُردُّ، ،.وفي هذا إثبات لأخطاء افتراضية  في المنهج وإخطار للقارئ الناظر فيه  ثم لا تعد هذه مثلبة في المنهج العلمي بل تصنف من الأعراض الجانبية للمفكر - أي مفكر - فيما يكتب وفيما يقول .
المسألة الثانية: أن نعرف ونفهم وندرك بوضوحٍ وجلاءٍ أن "سيدًا" "أديبٌ" وليس "بفقيهٍ ولا أصوليٍّ"، وما هو مطلوبٌ من "الأديب" ليس هو ذاته المطلوب من "الفقيه أو الأصوليّ"، وحين يكتب "الأديب" لا يكون محدَّدًا ودقيقًا وجازمًا في كلامه، ولا مطلوبٌ منه ذلك، بينما حينما يكتب "الفقيه أو الأصوليُّ" فلا مجال للبس في ما يكتب أو يستدل، بل يجب أن يكون واضحًا دقيقًا ومحدَّدًا، حتى لا يلتبس الفهم على أحد. إننا إن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا ندرك أن ما كتبه الأستاذ "سيد" كان كتابة أديبٍ يحمل في طيات كلماته المجاز والبلاغة وجمال العبارة وعدم المباشرة حتى وهو يكتب في "ظلال" القرآن الكريم وآياته، وحتى وهو يتطرق لمفاهيم ومصطلحات إسلامية.
وإن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا كذلك نعرف أن نظرتنا لكتاباته على أنها آراء وأقوال صدرت من فقيهٍ أو أصوليٍّ، وتحميل هذه الأقوال بما تعارف عليه الفقهاء والأصوليون من محدداتٍ واصطلاحات كان خطأً كبيرًا أدى بنا إلى هذا الفهم الذي ما كان ليصلنا لو تعاملنا مع كتاباته تعاملاً سليمًا من البداية ، ولذا نرى سيد قطب ذاته في بعض كتاباته يحيل القارئ الى الفقهاء في المورد الفقهي والى علماء الأصول في ما يخص بعض قواعدهم .
المسألة الثالثة: أن قضية اختلاف الرأي، واجتماع الرأي والرأي الآخر، مسألةٌ أصيلةٌ علينا أن نقبلها ونتقبلها بصدرٍ رحبٍ، فليس معنى دفاعي عن وجهة نظري في كتابات الأستاذ "سيد"، ليس معنى هذا تجريحي أو طعني أو اتهامي لمن خالفني الرأي، وإنما هو وجهات نظرٍ، واختلافٌ في الرأي، من حقِّ كلِّ أحدٍ أن يرى ويكتب ما يقتنع به، مع حفظ الودِّ والاحترام بين جميع الأطراف.

انتهت المسائل الثلاث وهي ضرورية لفهم مسائل معمقة اخرى تتوقف مقدماتها على المسائل السالفة فمسالة التكفير والجاهلية تتوقف على اتساع الصدور للآراء فيها أي في مثل هذه المسائل وكذلك تحتاج الى رفع التعصب المقيت كليا لمعرفة الحقيقة فإذا دخل التقديس من باب خرج البحث الموضوعي وإصابة الحق من باب آخر وهكذا نقرر في مسالة التكفير في حق سيد قطب ثلاث نتائج تمثل وجهة نظر في موضوع يصعب الحسم فيه وهذه النتائج :
1.  التكفير اخذ من نصوص نورد نصين منها لاننا ذكرنا في اول البحث في الحاكمية نصوص أخرى وهي في الغالب متشابه ويمكن قياس بعضها على الجميع تقريبا  :
·   مقاطع مختلفة في المعالم يبين فيها الحاكمية ومنطق الحكم الإلهي ولان الكتاب بمجموعه نصوص ثورية على الواقع في حينه يصح اعتباره بمجموعه نصا في هذا المورد .
·   إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولةٌ مسلمةٌ ولا مجتمعٌ مسلمٌ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي (ظلال مقدمة سورة الحجر).
·   إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إلهٌ واحدٌ، يدبِّر أمره و(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).. وأظهر خصائص الإلوهية بالقياس إلى البشرية تعبّد العبيد، والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئًا من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الإلوهية، وأقام نفسه للناس إلهًا من دون الله. وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عندما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبدٌ من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: (أنا ربكم الأعلى) (سورة آل عمران- ظلال الآيات 58- 64).

هذه النصوص وبعض الكتب كالمعالم عندما الفت وطرحت في عناوينها الرئيسية لم تلق بالا من المجتمع وهذا ما تعضده العديد من الشهادات من داخل حركة الإخوان ومن خارجها من مثقفين ومعنيين وانما استقطب المجتمع بفئاته ماكتب سيد قطب بعد إعدامه وهذه من الطبائع البشرية انها تتعاطف مع المفكر والاديب والرسام ونحوهم من المبدعين اذا اختفى جسده عنها فإنها تعوض خسارتها بإهماله حيا بالاهتمام به فكريا او بتمجيد آثاره حتى أن بعض المشاهير حاولوا خداع الجماهير بتضليلهم إعلاميا بإشاعة  مماتهم لاستحصال اكبر قدر من الاهتمام والعناية !
وقياسا على هذا حصل لمؤلفات سيد قطب من الاهتمام المفرط ما يستدعي الدراسة له لا لما كتب "سيد" فكتاب معالم في الطريق بحجمه الصغير القريب من الكتيبات ولغته السهلة كأنها كتب المناهج وعناوينه الواضحة وفصوله القصيرة-  إلا من الأسلوب الأدبي الذي يحمل أحيانا في الكتاب هموما تنأى عن  الفهم السريع لها - لم يحفل به الكثير لولا إضافة الكاتب الى الكتاب ومن هنا أصبح كل سجين يبحث فيه عن نص للخلاص وكل مناوئ إسلامي للسلطة الحاكمة يتحرى في زواياه عن ثورة  ! هذه من طبيعة الناس لا طبيعة الكتاب او الكاتب .ثم متى كان المكفِّرون يعتمدون على مرجع او مصدر فهم منذ الخوارج في عملية سحب التراث على الواقع
تأكد بالدليل أن الفكر "التكفيري" لم يعتمد على النصوص بل مال نسبيا الى الأشخاص أي يقرا ويستدل  بعقل القائد او المسؤول عنهم وهذه الطريقة تصاغ بمنهج مشابه للوجوب التعييني في القاموس الفقهي أي يقوم القائد بإصدار الدليل ومع هذا فانهم يقومون في نفس الوقت بنقضه او تعديله فالكل يشترك في عملية الاستدلال وإعمال الرأي وهذا ماحدث مع الامام علي عليه السلام حينما أمره الخوارج باللجوء الى التحكيم ثم بعد رفضه للتحكيم نزل عند رأيهم لأسباب قهرية بعد ذلك أمروه بالحرب ولان علي ليس من طبيعتهم مطلقا فهو لم يأمرهم بإطاعته بلا دليل او طاعتهم بغير برهان لم يفلحوا في عملية الانصهار الاجتماعي في الجسم الإسلامي ولو تاخروا في الولاء الى زمن معاوية مثلا لكتبهم التاريخ بأنهم من أفضل الرعية في الإسلام نظرا للعبادة الظاهرية عليهم ولكن علي عليه السلام عراهم بضحالة أفكارهم فلم يلبثوا الا مطمعا للحكام في دمائهم متفرقين في زوايا الأمصار والدول .. ورجوعا الى موضوعنا  فلم  يقم أيٌّ من أوساط المسلمين بالاستشهاد أو الاستدلال بكتابات "سيد"، بل إن عددًا من هذه الكيانات التكفيرية  قد كفَّرته وأخرجته من ملة الإسلام، ولو كانت كلماته تعطيهم الحجة لما وصلت إليه أفهامهم من تكفير المسلمين، لما كانوا تراجعوا لحظةً عن الاستدلال والاستشهاد بها بدل تكفيره.
وكما يذهب المستشار د كمال المصري بقوله :وحتى ادعاء عديدٌ من الكتَّاب أن شكري مصطفى قائد جماعة "التكفير والهجرة" -أو "جماعة المسلمين" كما كانت تسمي نفسها- كان منبع فهمه وفهم جماعته كتابات "سيد"، حتى هذا الادعاء هو ادعاءٌ باطلٌ، ولا أدلَّ على ذلك من نقلي لهذه الكلمات التي وردت في كتابٍ طرحته الجماعة الإسلامية في مصر ضمن إصداراتها لعام 1997م، تردُّ فيه على الشيخ الألباني وتؤكد فيه ما أقول، وهذا نصٌّ من هذا الكتاب - تم نقل نقطتين كاملتين من الكتاب هي ثالثا ورابعا :
·   "ثالثًا: وبعد بيان خطأ الكاتب فيما نسبه للجماعة الإسلامية، نحب أن نؤكد له ولغيره أن الجماعة الإسلامية تقدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله أعظم التقدير، وله في قلوب أبنائها مكانة خاصة، بيد أن الجماعة لم تنسب منهجها إلى الظلال أو المعالم ولم تقل إنها أخذت فكرها منهما وإن كانت كثيراً ما تستشهد بأقواله رحمه الله باعتباره واحداً من دعاة الإسلام ورجاله المعدودين في هذا العصر .
إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال .
رابعًا: وإن الإنصاف ليقتضي هنا أن أبريء ساحة الجماعة التي تسمي نفسها جماعة المسلمين من جزء مما نسبه إليها الكاتب، فإنه وإن كان شكري قد قال بكثير مما نسبه الكاتب إليه إلا أن المعروف أن شكري لم ينسب ذلك إلى الأستاذ سيد رحمه الله، وقد قرأ كاتب هذه السطور بعضًا من مخطوطات شكري -غفر الله له- وقابل الكثيرين من أتباعه وناقشهم، ويمكنني من خلال ذلك كله أن أقول إن شكري لم يكن يعتد بأقوال أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين، وكان يرى الحجة في القرآن والسنة وحدهما، وكان يرى أن معجمًا لغويًّا يكفي لفهم القرآن والسنة مع الاستعانة بأدلة الفطرة أو الأدلة العقلية، وما سيد قطب عند شكري إلا كغيره من الناس لا يعتد به ولا ينسب فهمه إليه، وقد يكون تأثر به في بداية سجنه، ولكن الحديث هنا ليس عن روافد شكري الفكرية، وإنما هو عن الأسس التي أقام عليها جماعته" انتهى من كتاب "وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج)"- الطبعة الأولى- 1418هـ1997م- من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.

ومع تذكيري بما أشار إليه هذا الكتاب من عدم اعتماد الجماعة الإسلامية أو شكري مصطفى كتابات الأستاذ "سيد" كمستندٍ لاعتقاداتهم، إلا أنني أحب التأكيد على عبارةٍ مهمةٍ وردت في هذا الكتاب، وهي قولهم: "إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال" فهنا نجد أن الجماعة الإسلامية نفسها وصفت من ادعى أن "سيدًا" كان يقول بتكفير المسلمين، وصفت ذلك بأنه زورٌ لم يقله  "سيد"، ولم تحمل كتبه هذا الفهم، وأظن أن هذا من أهم وأدق الأدلة على ما نقول.
·    نقولات النوع الثاني:
- "وقد بهتت صورة الزكاة في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع؛ ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية ويجعل الزكاة قاعدة هذا النظام في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية، ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي أو التعاون البريء من الربا".
ثم يقول: "إن الله سبحانه يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده، ويعدهم بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في الوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق وبالتخبط والضلال وبالقلق والخوف.
وشهدت البشرية ذلك واقعًا في المجتمع المسلم؛ وتشهد اليوم هذا واقعًا كذلك في المجتمع الربوي، ولو كنا نملك أن نمسك بكل قلب غافلٍ فنهزه هزًّا عنيفا حتى يستيقظ لهذه الحقيقة الماثلة، ونمسك بكل عينٍ مغمضة فنفتح جفنيها على هذا الواقع، لو كنا نملك لفعلنا، ولكننا لا نملك إلا أن نشير إلى هذه الحقيقة، لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله" (سورة البقرة- ظلال الآية 177).
·   يصف سيد قطب هذه الامة بالمجتمع المسلم والمجتمع الربوي ويرى تغلب الربا على المجتمع ومظاهر الفساد الاخرى وبالتالي ترجح كفة المجتمع الربوي على المجتمع المسلم هذه الحقيقة ترسم لنا منهجية سيد قطب فهو يبدو انفعالي مع مايشاهده متعاطف مع النص يتوقع من النص ان يحاكم المجتمع الربوي مثلا باشد الاحكام ثم يعود الى المجتمع لينظر منه الى النص فيتوقع ان يرحم النص هذه الامة بقوله : ( لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله ) إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة، وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة، وهي التي تقدم أكبر منهج، وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة، والعرب يملكون هذه الرسالة وهم فيها أصلاء، وغيرهم من الشعوب هم شركاء فأي شيطان يا ترى يصرفهم عن هذا الرصيد الضخم؟ أي شيطان؟ لقد كانت المنة الإلهية على هذه الأمة بهذا الرسول وبهذه الرسالة عظيمة عظيمة، وما يمكن أن يصرفها عن هذه المنة إلا شيطان وهي مكلفة من ربها بمطاردة الشيطان" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 159- 164).
فلو كان الأستاذ "سيد" يرى تكفير الأمة، أكان يجعلها مكلفةً من ربها بمطاردة الشيطان؟؟ أيكلف الله تعالى الكفار بمطاردة الشيطان؟؟؟!!!

هذا ما عنيته بالجمع بين كتاباته، فما وجدته يحمل معنى في مكان ستجد تفسير هذا المعنى في مكان آخر، فتحمل هذا على ذاك، وتفهم النصوص في سياقاتها الطبيعية.
·   من "أفراح الروح":
هذا الكتاب عبارة عن رسالة أرسلها الأستاذ "سيد" لأخته، ونشرت هذه الرسالة في كتابٍ عُنوِن بـ"أفراح الروح"، وهو رغم صغره وعدم شهرته إلا أنه يحمل في طياته فكرًا محبًّا للعالم والناس، يجعل من الصعوبة بمكانٍ أن يكون كاتب هذه الكلمات مكفِّرًا للناس والمجتمعات.
وهذه نبذة مما احتوته هذه الرسالة:
- "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة‘ حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!".
- "عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!... لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين... حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور".
- "كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!".
- "حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلبا، أو أرحب منهم نفسا، أو أذكى منهم عقلا، لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا... لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة!. إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!". - "بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!. إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجيا، لأن جزاءها كاملا فيها!".


أهذه كلماتُ مكفِّر؟؟!!
·       لماذا أعدموني؟
هذا الكتاب -  بالرغم من التشكيك بنسبته الى سيد قطب الا ان الواضح فيه تقاربه مع  الأسلوب العام " لسيد " في كتاباته -  هو عبارة عن تجميعٍ لإفادات "سيد" عند التحقيق معه قبل الحكم لإعدامه، وهو من الأهمية بمكانٍ لأنه يُعتبَر آخر ما وصل إليه الأستاذ "سيد" من مفاهيم وآراء، وفي هذا الكتاب كلامٌ كثيرٌ عن منهجية التغيير عند سيد، وكيف رد مجموعة من الانقلابيين عن فكرهم الانقلابي.
وهذان نصَّان أنقلهما من هذا الكتاب:
- "ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به".
فلو كان يرى كفر المجتمع لما كانت لديه مشكلة في أن تتم عملية التغيير بأي شكلٍّ وبأي خسائرٍّ من هؤلاء "الكفار" من أفراد المجتمع.

- "ويجب أن أقرر أن الإسلام شيءٌ أكبر من هذا كله.. إنه نظام حياة كاملة، وإنه لا يقوم إلا بتربية وتكوين للأفراد، وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية، وإنه ليس مجرد أفكارٍ تُنشَر أو تذاع بدون الأخذ في تطبيقها عمليًّا في التربية أولاً، وفي نظام الحياة والحكم أخيراً".
·      
فالمقصود هنا هو أن الإسلام نظام شامل وليس مجرد صلاة وصيام وحج، وما من مسلم إلا ويقول بذلك، وكل حديث "سيد" كان عن ضرورة أخذ الإسلام كله، وهذه هي عبارة النص عنده "كما يقول الأصوليون في طرق دلالة النصوص"، ولم يكن معنيًّا هنا بالحديث عن تكفير الناس، وإنما فَهِمه الناس ضمنًا عبر مفهوم المخالفة، وهو فهمٌ لا يستقيم حين نبحث عن دلالة نصه وعن مقصده من ورائه.
أما من فهم ما فهم فهذا يرجع له ويُحمَل عليه، وليس على قائل الكلام، وقد أشرت سابقًا أن من فهم هذا الفهم إنما فهمه لظروف الحالة التي كان عليها، والتعذيب الذي كان يعيشه ليل نهار، فاتجه فكره لتكفير هؤلاء المسؤولين عن حملات التعذيب وللمجتمع الساكت عليهم، ويبقى فهمهم هذا لهم أو عليهم، ولا يحمَّل على قائله بحال.
وهناك شهادة أخرى تزيد في عزم الباحث على الحكم في قضية التكفير ..هذه الشخصية  عايشت الظرف الصعب الذي مرّ به "سيد" إنها شهادة احمد عبد المجيد (شهادة الأستاذ "أحمد عبد المجيد" لتلقي الضوء على شخصية الشهيد "سيد قطب" باعتباره  كان من الدائرة الأولى التي تجالس "قطب" وتأخذ منه مباشرة، وتأثرت بأفكاره تأثرا كبيرا، لم تستطع أربعة وثلاثون عامًا أن تمحو منه هذا التأثير رغم تقلبات الدهر؛ لذا يحسبه البعض على التيار القطبي، والرجل حقوقي من مواليد 1933م، وحكم عليه بالإعدام في قضية تنظيم 1965م، لكن خفف الحكم إلى المؤبد، وبالمناسبة فإنه متزوج من ابنة "محمد هواش" الذي كان من كبار قادة تنظيم 1965م، ونُفذ فيه حكم الإعدام، ثم خرج "أحمد عبد المجيد" في السبعينيات، وله كتاب حول حقيقة تنظيم 1965صادر عن دار الزهراء للإعلام العربي، وعدد من المقالات عن الحركة الإسلامية في مجلة "المنار الجديد". )
(تحدث الأستاذ "أحمد عبد المجيد" عن شخصية "قطب"، وأشار إلى نقطتين مهمتين  كانت تتميز بهما تلك الشخصية وهما: الحب للمجتمع، وعدم الانعزال عن هذا المجتمع، فأكد أنه "كان رحيمًا لا يغضب، عف اللسان، لا تفارقه الابتسامة الوقور، وذا دعابة مؤدبة، رقيق المشاعر مرهف الحس، وأنه كان في فترة شهرته الأدبية من مؤيدي "العقاد"، وكان ممن له سبب في شهرة الأديب الكبير "نجيب محفوظ"، وأن "محفوظًا" ممن زاره في بيته بعد خروجه من السجن عام 1964م، بحكم الصلة والمعرفة القديمة بينهما، وهو دليل على أنه غير منغلق، وغير انعزالي، كما كانت صلته بالضباط والجنود في السجن صلة طيبة، حتى إن مأمور سجن طرة قال: إن سيدًا هو مدير السجن لصلته القوية بالجميع". )
تعرض الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في شهادته لمسألة "التكفير"، وأكد " أن سيد قطب لم يكن من دعاة التكفير، لأن هذا الاتجاه نشأ في سجن "مزرعة ليمان طرة" عام 1968م وما بعدها، على يد "شكري مصطفى" وأمثاله، ولو كانت هذه الفكرة عند سيد قطب لكان من باب أولى أن تكون عند من تتلمذ على يديه، ومن كان يقابله ويجالسه، وهو ما لم يحدث، وأحب أن أقول: إنه هو أول من قال عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة"، وأذكر أنه قال لنا: "عندما تعرضون الإسلام على الناس، اعرضوا الإسلام بوضوحه ونصاعته، وإياكم أن تعرضوا عليهم النتائج، اتركوا للمستمع أن يستنتج موقعه في أي مرحلة هو من هذا الدين".
"فلم تكن قضية التكفير تشغل باله، وإنما الذي كان يشغله هو قضية الدعوة، وكشف مخططات أعداء الإسلام، والدليل على أننا لم نعرف قضية التكفير إلا أوائل عام 1968م عندما ذهبنا إلى سجن " قنا " أبلغنا الإخوان القدامى في المعتقل أن موضوع التكفير أثير حولنا في الصحف، ولم نكن نعلم عنه شيئا منذ اعتقالنا؛ لأننا كنا نعيش في عزلة تامة لأكثر من عامين عن العالم، أما المرة الثانية التي سمعنا فيها عن موضوع التكفير فكان في نهاية 1968 عندما أثير في سجن مزرعة طرة".)
وهذا ما يجعلنا ننظر الى قضية التكفير نظرنا الى الوضع السياسي في اثناء وبعد حقبة جمال عبد الناصر فسيد ليس له عداء مع جمال بشكل شخصي مطلقا وانما تشكلت هذه القطيعة بفعل مبررات فكرية وعقائدية يختفي معها حتى مفهوم المواطنة ، ولاشك ان سيد كان يحكم على المجتمع والحكم انذاك بانه خارج عن الإسلام كسلوك وتطبيق وحقيقة وفهمت لأدبية ألفاظه والتباس المعنى معها فقهيا على انها حكم بالتكفير ساري على حكم جمال عبد الناصر والمجتمع المصري كافة .! هذا التصور لنظرة سيد تخدم أي سياسة تأتي الى مصر لضرب الفكر الإسلامي التجديدي بهذه الحجة ، وهي في ذات الوقت عون لمأزق الحكومات المتهالكة لرمي سقطاتها وأخطائها عليه  بوصفه " تطرفا " وتحميله تأخر عملية التنمية  والتقدم والتطور .!! اننا في حيرة حقيقية امام التخوف من سيد قطب وهو مفكر واديب واتهامه للمجتمع بالتكفير في حين ينقل عن "سيد " انه كان يصلي خلف بعض المساجين ، وانه استقبل الكاتب والأديب نجيب محفوظ في بيته بعد خروجه من السجن قبل اعتقاله الذي اتصل بإعدامه عام 1966 . مع كل هذه المخففات من حدة الاتهام الى مستوى الشبهة وفي الشبهات تدرأ الحدود شرعا وحتى في القانون الوضعي اذ تسمى حينئذ بضعف الأدلة لا يكفي ويبقى " سيد " حبيس الاتهام في قفص العقول المتفاوتة في الإنصاف .. لكننا لانسمع الا همسا مع الأصوات التي تكفر ثلثا المسلمين وتبيح دم ثلث منه متى ما استطاع الحاكم بأمر الفقيه انجاز القصاص بحقهم ، وفوق ذلك ينعت هذا الفكر بالفكر النقي والإصلاحي والسلفي ولاتعده الحكومات خطرا وهو بالفعل لايشكل خطرا عليها سوى للأبرياء من العزل والمستضعفين من عامة المسلمين !!
كلمتان احدهما لفقيه من المذاهب الاسلامية وهو الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي -  مفتى قطر - والآخر وهو داعية سلفي معتدل من مدرسة  الوهابية
يتوخى القرضاوي في كلمته الحذر من كتابات سيد قطب بالنسبة للناشئين والشباب غير المحصن بالوعي من ان يتملكه الكاتب دون المكتوب فينساق مع ظواهر وألفاظ مجملة القصد على المعنى مما سبب الانحدار باتجاه تبني فكرة الانعزال والتكفير والمجتمع الجاهلي هذه الأفكار التي حللناها وبيناها بانها ملتبسة بإرادتين إرادة الكاتب وإرادة القارئ الفاهم عن الكاتب ماكتب لا ما أراد من كتابته . في الجهة الاخرى يشيد سليمان العودة بفكر سيد قطب ولكنه يضع عليه علامة توضح انه لبشر يصح في حقه الصواب والخطأ واترك القارئ ليتامل في النصين مبتدئا بالقرضاوي :


1.  
الدكتور يوسف القرضاوي: (مفتي دولة قطر )

"الأستاذ سيد رحمه الله قال بجاهلية المجتمعات، ويعني بالمجتمعات الأنظمة الحاكمة التي لا تلتزم بشريعة الإسلام، وعدم الالتزام بشريعة الإسلام يمكن أن يفسر بترك الاحتكام أو بترك الالتزام، ترك الالتزام يعني الرفض، وهذا لا يُشكُّ في كفر من فعل هذا، ولذلك العلمانية الصريحة التي تقبل الإسلام عقيدةً وترفضه شريعةً هذا لا يُشكُّ في كفر من فعل ذلك وهذا الذي ينطبق عليه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فينطبق على من رفض الشريعة أساسًا"
حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001.
فالشيخ القرضاوي هنا نفى تهمة تكفير المجتمع عن الأستاذ "سيد"، وذكر أن تكفيره كان للأنظمة الحاكمة، ثم أيَّد هذا التكفير بشكلٍ من الأشكال، ولا يعنينا هنا الحديث عن تكفير الحكام سواءً رفضنا هذا الرأي أو قبلناه، وإنما يعنينا محل الخلاف في المسألة وهو "تكفير المجتمع والناس".
وتأكيدًا لهذا المعنى، ولخوف الشيخ القرضاوي من أن يخطئ الناس الفهم، - حذر في نفس الحلقة من قراءة كتب الأستاذ "سيد" إلا للشباب المتمكنين الراسخين، فقال: "أنا لا أنصح إلا الشاب المتمكن الراسخ الذي يستطيع أن يقرأ لأي كاتب ولكنه لا يكون أسيرًا له، أنا أنصح الشباب إذا قرؤوا كتابًا لمؤلفٍ ما مهما كان قدره، سيد قطب على أعيننا ورؤوسنا، ونقول عنه الشهيد سيد قطب لأنه مهما كان قُتل مظلومًا، ولكن أقول إذا قرأ الإنسان لسيد قطب، وقرأ لغيره، لابد أن يقرأ وعنده أصولٌ راسخةٌ يرجع إليها، ويُأَوِّل بعض كلامه الذي يمكن أن يُأَوَّل، وإذا لم يستطع أن يُأَوِّل يرفضه، لأنه سيد قطب ليس معصومًا، سيد قطب بشر".
وهو الذي اشار اليه المفكر المصري فهمي هويدي في كتابه "التدين المنقوص " في فصل الحاكمية إخطار ماحذر منه القرضاوي من التامل في كتابات سيد قطب قبل الحكم عليها ومحاولة تاويل المشكل منها لانها شدت اجيال بحالها دون ان تتلمس هذه الاجيال دراسة ظرف "سيد"  الزماني والمكاني الذي كتب فيه ماكتب !

2.  
الشيخ سلمان العودة( الداعية السعودي )

"وبنى بعض هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم... إلى أين؟ لا أدري!
وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات وترك العمل فيها واعتزالها، وفهمت كلمة سيد -رحمه الله- عن (العزلة الشعورية) بتكثيفٍ قويٍّ، وترميزٍ شديدٍ، جعلها بؤرة العمل والانطلاق.

والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتبٍ ما، ليست أمرًا خاصًّا وقع مع سيد قطب رحمه الله وحده، لكنها مشكلة تراثية يعاد إنتاجها الآن مع عدد كبير من رموز العلم والفقه والدعوة والاجتهاد، من المتقدمين والمعاصرين".
واستشهد فضيلته بأمثلةٍ ثم قال: "وكلما كان العالِم أوسع انتشارًا، وأكثر أتباعًا، وأوغل في الرمزية -لأي سببٍ- كان الأمر بالنسبة له أشد، وكانت المشكلة أظهر، لكنها تخف تدريجيًّا بتقدم الزمن، ولو من بعض الوجوه.
هذه ليست مشكلة العالِم أو المفكر، بقدر ما هي مشكلة القارئ أو المتلقي؛ وأيًّا ما كانت فهي مما يحتاج إلى بحثٍ ودراسة، وقديمًا كان علي رضي الله عنه يقول قولته المشهورة: "يهلك فيَّ رجلان: غالٍ وجافٍ".
والخلاصة: أن سيد قطب وغيره من أهل العلم يؤخذ من قولهم ويترك، ويصيبون ويخطئون، ويُردُّون ويُردُّ عليهم، وهم إن شاء الله بين أجرٍ وأجرين، ولئن حُرِموا أجر المصيب في عشر مسائل، أو مائة مسألة فلعلهم -بإذن الله- ألا يحرموا أجر المجتهد" انتهى من مقالةٍ بعنوان "رأيي في سيد قطب" للشيخ سلمان العودة.

ما أود التنبيه إليه هنا هو مسألة القراءة الحرفية الظاهرية للكلام التي أشار إليها الشيخ سلمان العودة، والتي أظن أنها السبب الرئيسي لما التبس من فهم لكتابات الأستاذ "سيد" في أذهان الناس.

وختامًا.. يهمني أن أذكر أنه قد حدثني من أثق أنه  - الكلام لسلمان العودة - سمع ممن عايش الأستاذ "سيدًا" أنه سئل هل يرى تكفير المجتمع، فكانت إجابته بالنفي القاطع لذلك واستغرابه ممن قال بذلك أو فهم هذا من كتاباته.. ولعلها شهادةٌ تنهي الخلاف في هذه القضية.
  
يبقى سيد قطب يؤرخ للحاكمية ومعه رعيل من مريديه وبالمقابل له آخرون يرونه مكفرا ومفكرا قاتلا وإسلاميا مسلحا همه الفتك بالمجتمعات المدنية ..! ولكن الحقيقة تابى ان يكون سيد قطب الا مفكرا اديبا قضى بقية حياته سجينا سياسيا ثم اعدم .ولم يعدم ذكره وما وراء ذلك من العقول والافهام دون الحق والحقيقة ..
المصادر :
1.    معالم في الطريق :سيد قطب .
2.    افراح الروح :سيد قطب
3.    في ظلال القران : سيد قطب .
4.    لماذا اعدموني : سيد قطب .
5.    التدين المنقوص : فهمي هويدي .
6.    الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح احد مفكري الاخوان المسلمين  : حوار على الانترنت .
7.    المستشار الدكتور كمال المصري : مقال حول "التكفير عند سيد قطب :
8.    أرشيف حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001. قناة الجزيرة الفضائية مع الدكتور يوسف القرضاوي .
9.      مقال للداعية السعودي الشيخ سلمان العودة حول منهج وشخصية سيد قطب . بعنوان سيد قطب ومعركة التغيير على موقع اسلام اون لاين نت .
10. شهادة احمد عبد المجيد احد أقطاب تنظيمات الإخوان والمزامن لسيد قطب في حقبة الستينيات من القرن المنصرم .
11. ذكريات لا مذكرات  : عمر التلمساني : وهو من رجال حركة الإخوان ومن المزامنين لسيد قطب في محنته .
12. سيد قطب والتكفير والعنف : شهادة زينب الغزالي وعبد الحليم خفاجي . مجلة المجتمع الكويتية عام 1402هـ - 1982م وكتاب الخفاجي عندما غابت الشمس .
13. شهادة "سيد نزيلي" من قيادات تنظيم 65 إعداد: مصطفى عاشور بتاريخ 12 / 7 / 2004 .
14. شهادة الدكتور محمود عزت : نفس التاريخ :  أحد الذين عايشوا سيد قطب أثناء محاكمات الإخوان المسلمين أمام الفريق الدجوي عام 1965 .
15.                    دراسة  بعنوان : سيد قطب.. قراءة تاريخية : للمستشار طارق البشري :  منشورة ضمن كتاب "الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية" لعدد من المفكرين والباحثين، تحرير د. عبد الله النفيسي. بتاريخ 21 / 6 / 2004 م .
16 . لإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ" لمحمود عبد الحليم "1/190-192". طبعة دار الدعوة ـ الإسكندرية.





 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م